نُشر قانون المسئولية الطبية فى العدد ١٧ مكرر الصادر فى ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ من الجريدة الرسمية، الذى انتهى معه النقاش بشأنه بعد أن أضحى واقعًا ملموسا محلا للتنفيذ.
رغم أننى من الأطباء الذين أُتيح لهم المشاركة فى الحوار على مستويات مختلفة، فإننى حتى اللحظة ما زلت لا أشعر بالرضا الكامل عن صياغة القانون. أرجو ألا تتصور عزيزى القارئ أننى ضد القانون، فعلى العكس تمامًا، ككل الأطباء، نحن مع قانون عادل ينظم العلاقة بين المؤسسات الطبية والأطباء ومن يعاونهم كمقدمى الخدمة الطبية من ناحية، وبين المريض تحت رعاية الدولة من ناحية أخرى، على أن ينصف القانون الجانبين ويضمن للجميع حقًا عادلًا. فالأصل فى القضية هو تقديم خدمة الرعاية الطبية للجميع على حد سواء، اعتمادًا على الكفاءة العلمية والعدالة الاجتماعية.
أعدت قراءة ما نُشر فى الجريدة الرسمية وتأكدت من أن التعديلات بالفعل قد تمت، أراها سُجِّلت وكانت محل تساؤلات واعتراضات.
لكن يظل كل ما ورد فى القانون يدور فى إطار الخدمة الطبية التى يقدمها الأطباء فى جميع تخصصات الطب المعروفة والمتفرعة عن طب الأمراض الباطنية والجراحة، أى طب وجراحات الجسد، بينما يغيب الحديث عن طب النفس والأمراض العصبية.
فهل هناك ما يمكن أن يُطلق عليه «الخطأ الجسيم» فى طب النفس؟ وهل هناك عقوبات مماثلة إذا ما تم توصيف الخطأ أو الإهمال؟ وكيف سيوصف الخطأ؟
أرجو ألا يُفهم تساؤلى فى سياق لا أقصده على الإطلاق، لكننى فى الواقع أحاول أن أتطرق إلى قضية بالغة الحساسية تهتم بالطب النفسى والزملاء العاملين فى هذا المجال.
أذكر جيدًا سنوات دراستى بكلية طب المنصورة، وكانت كلية ناشئة فى الأقاليم. وبكل المحبة والتقدير، أذكر أول عميد لها، رحمه الله، الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو النجا، أستاذ علم الأنسجة، الذى كان بالفعل مثالًا رائعًا للمعلم والمربى الذى يهتم بنا جميعًا بصورة شخصية. كان عددنا بالفعل قليلًا مقارنة بالأعداد التى تلتحق بكليات الطب فى عصرنا الحالى، فكان يعرفنا بالاسم والعائلة، وكانت لنا معه حوارات عامة وخاصة، حتى إنه تعرف على أبى بصفة خاصة ليقنعه بأن أسافر مع فريق الكلية للمشاركة فى فعالية خاصة بأسبوع الجامعات، وقد كان ذلك أحد الخطوط الحمراء التى لا يجب أن أتجاوزها: السفر إلى القاهرة مع زملاء من الكلية دون مرافق من أهلى.
ذكرتُ للأستاذ الدكتور إبراهيم أبو النجا أننى أود التخصص فى علم الأمراض النفسية والعصبية، فصمت قليلًا، ثم جاءنى رده: «مثلك إذا تخصص فى الأمراض النفسية والعصبية سينتهى به الأمر مريضًا لا طبيبًا». صدمنى رأيه، لكن حينما شرح لى مقصده أدركت أنه كان يقرأ كتابًا مفتوحًا أمامه. كان ما يقصده، وهو يعرفنى حق المعرفة، أن أمر كل مريض سيستغرقنى، وأننى قد أتفاعل مع كل مريض فأعيش تفاصيل مرضه، سواء كان نفسيًا أو عقليًا، فأسقط رغمًا عنى فى دوامات من الأعراض النفسية التى ربما لا أنجو منها.
حكى لى أ. د. إبراهيم أبو النجا عن أطباء الأمراض النفسية والعصبية الذين زاملهم فى إنجلترا، وكيف أنهم يخضعون لتدريبات نفسية الهدف منها الحد من تفاعلهم مع مرضاهم، وكيف أنهم يخضعون باستمرار لاختبارات نفسية يجب اجتيازها حتى يُسمح لهم بالاستمرار فى ممارسة مهنتهم، وأنهم أيضًا مطالبون بأخذ إجازات يستعيدون فيها لياقتهم الذهنية والنفسية.
أذكر هذا اليوم لأتساءل: هل تتساوى الأخطاء إذا ما أخطأ طبيب الجسد أو طبيب النفس؟ وهل يخضع زميلى فى المهنة لذات القانون؟
أظن أن الوقت ما زال متاحًا للمناقشة، خاصة بعد اتصالى اليوم بالأستاذ الدكتور نقيب الأطباء، الذى وعد باستكمال النقاش.