ينص الدستور على حق العامل فى أجر عادل يضمن حياة كريمة له ولأسرته، كما يلزم الدولة بوضع حد أدنى وأعلى للأجور يكفل تقريب الفروق بين الدخول، ووفقا لحسابات المجلس القومى للأجور، فإن الحد الأدنى ينبغى أن يكون 530 جنيها، يرتفع إلى 800 جنيه وفقا لحسابات اتحاد العمال،
وإلى 1200 جنيه كما قرره حكم القضاء الإدارى أخيرا، وهو الأكثر واقعية بالنظر إلى معدلات التضخم المرتفعة والفارق المفزع بين الأجر النقدى والأجر الحقيقى، وحين تمتنع الحكومة عن تنفيذ هذا الحكم، فإنها ترتكب مخالفة دستورية واضحة، والمخالفة الأفدح هى عدم تحديد حد أعلى للأجور، ما يؤدى إلى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، ويفسح المجال لمزيد من الفساد والرشوة والاحتقان الاجتماعى.
الخبير الاقتصادى أحمد النجار قدر فى دراسة قيمة له الحد الأعلى للأجور بخمسة عشر ضعف الحد الأدنى، أى 18 ألف جنيه، وكلا الحدين سيكون خاضعا للتعديل بشكل دورى ليتماشى مع الارتفاعات المستمرة فى الأسعار، وللعلم فإن تطبيق الحد الأعلى سيوفر للدولة مئات الملايين من الجنيهات، يمكن استخدامها فى تمويل رفع الحد الأدنى للأجور دون تحميل موازنة الدولة أعباء إضافية.
دفع العمال ثمنا باهظا للتحولات التى جرت فى الأعوام الثلاثين الأخيرة، ودهس قطار الخصخصة العشوائى الآلاف منهم، وبيعت المصانع التى أفنوا أعمارهم بين جدرانها بأثمان بخسة، وقادت المؤامرة، التى تم تنفيذها ببراعة منذ حكومة عاطف عبيد إلى تشريدهم، وهو ما يفسر مشاركة أكثر من 1.7 مليون عامل فى 1900 إضراب فى السنوات الخمس الأخيرة، حسب جويل بينين أستاذ تاريخ الشرق الأوسط فى جامعة ستانفورد والمتخصص فى الحركة العمالية المصرية، منتقلين بتظاهراتهم خارج أسوار مصانعهم، وصار رصيف مجلس الشعب شاهدا على معاناتهم وأحوالهم، التى تسوء يوما بعد آخر.
لو كنت مكان الرئيس مبارك لأصدرت أمرا لرئيس الوزراء بتنفيذ حكم القضاء الإدارى فورا، ولطالبت الحكومة بوضع حد أعلى للأجور، يوقف هذا الإهدار السفيه، ويعيد مئات الملايين التى تستقر فى جيوب حفنة من أصحاب الحظوة والمحاسيب إلى مستحقيها، ويؤكد ــ عمليا ــ انحياز النظام إلى محدودى الدخل، واحترامه للدستور والقانون.
هذه هى الهدية التى أتمنى أن يفاجئ بها الرئيس العمال فى عيدهم، فقد صارت المنحة وعلاوة الـ7% هزلا فى موضع الجد.