من اليابان إلى أطفال الفلوجة - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 6:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من اليابان إلى أطفال الفلوجة

نشر فى : الجمعة 3 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 مايو 2013 - 8:00 ص

جاءت الذكرى العاشرة للحرب على العراق لتذكرنا بأهوال متعددة لما اقترفته القوات الأمريكية والبريطانية من انتهاكات وجرائم فى حق شعب العراق.

 

إلا أن دراسة ميدانية قيمة أجرتها منظمة «حقوق الإنسان الآن Human Right Now» اليابانية ومقرها الرئيسى فى العاصمة طوكيو، ألقت الضوء تحديدا على أحد أقبح فصول الحرب على العراق، وتحديدا فيما يتعلق بمدينة الفلوجة وأطفال الفلوجة. وتهتم المنظمة التى تأسست فى يوليو 2006، وتعمل على المستويين المحلى والدولى بهدف حماية حقوق الإنسان والقضاء على انتهاكات حقوق الإنسان ما وراء الحدود فى العالم كله.

 

وأظهر تحقيق المنظمة، والذى أجرى خلال شهر فبراير الماضى، أن قوات التحالف الأمريكى البريطانى فشلت فى القيام بمهامها الأساسية فى حماية حقوق الشعب العراقى فى الحياة وفى الصحة أثناء سنوات الحرب والاحتلال. وركزت الدراسة جهودها على ما قامت به القوات الأمريكية خلال هجوميها على مدينة الفلوجة عام 2004، حيث سقط 90% قتلى من بين المواطنين الأبرياء غير المسلحين. وقتل فى هجوم شهر أبريل 600 مواطن، وقتل 800 فى هجوم شهر نوفمبر بسبب استخدام قنابل فسفورية وذخائر يورانيوم منضب، وهو ما كان له تأثير كارثى يدفع ثمنه حتى اليوم أطفال الفلوجة ونسائها.

 

•••

تشير تقارير وزارة الصحة العراقية أن مدينة الفلوجة الواقعة بمحافظة الأنبار، ويسكنها قرابة 700 ألف شخص، شهدت زيادة هائلة فى حالات العيوب الخلفية لدى حديثى الولادة وهو ما أدى إلى عزوف الكثير من العراقيين عن فكرة الإنجاب.

 

وأكد تحقيق المنظمة ما ذكره أطباء وعلماء من عدة دول ومن منظمات دولية مختلفة من أن استخدام القوات الأمريكية لليوارنيوم المنضب خلال عام 2004 كان السبب الأساسى للارتفاع الكبير بنسبة العيوب الخلقية لدى حديثى الولادة بلغت 15%، ولزيادة حالات مرض السرطان بين أطفال الفلوجة، وهو ما أدى إلى خوف بعض الأهالى من فكرة الإنجاب. ورصدت الدراسة من خلال البحث فى سجلات مستشفيات مدينة الفلوجة ظهور العديد من الأمراض التى لم تعرفها الفلوجة فى الماضى من أمراض الكلى والرئتين والكبد، وكذلك حدوث حالات انهيار كامل لجهاز المناعة والارتفاع الحاد فى حالات سرطان الدم الكلوى، وفقر الدم وخاصة بين الأطفال. كما رصدت المنظمة اليابانية كذلك زيادة هائلة فى حالات الإجهاض والولادة المبكرة بين نساء الفلوجة.

 

وتبين الإحصاءات الرسمية للحكومة العراقية، كما ذكرتها المنظمة اليابانية، أن معدل حالات الإصابة بالسرطان قبل اندلاع حرب الخليج الأولى فى عام 1991، كان أربعين حالة لكل مائة ألف شخص. وبحلول عام 1995، زادت النسبة إلى 800 حالة لكل مائة ألف شخص. أما فى عام 2005، فقد تضاعف العدد ليصل إلى 1600 حالة لكل مائة ألف. وتشير التقديرات الحالية إلى استمرار المعدل التصاعدى للحالات.

 

•••

 

ونتج عن تحقيق المنظمة اليابانية إلقاء المسئولية على واشنطن ولندن تحت مظلة القانون الإنسانى الدولى، وقانون حقوق الإنسان، والقانون المحلى العراقى والقانون الأمريكى والبريطانى. وطبقا لرؤية المنظمة يجب أن تتحمل أمريكا وبريطانيا مسئولية التعامل مع المخاطر الناجمة عما قاموا به، أن يبادروا بشرح تفاصيل ونوعية الأسلحة التى تم استخدامها، والمساعدة فى علاج المصابين والمشوهين. إضافة إلى ضرورة أن يتم تقديم تعويضات مالية لهؤلاء الضحايا وأسرهم. كما نادت المنظمة بتقديم المسئولين عن هذه الجرائم للمحاكمة.

 

ويرى تقرير المنظمة اليابانية أن هناك حملة تضليل وتزييف للحقائق للتخلص من جانب لندن وواشنطن للتهرب من مسئولية جريمتهم فى استخدام أسلحة مميتة ذات تأثير بعيد المدى على المدنيين. وهو ما يعد خرقا واضحا لميثاق الأمم المتحدة ومعاهدات جنيف ولاهاى وممثليه روما لمحكمة الجنايات الدولية خاصة والتأثير المدمر لليورانيوم المنضب وذخائر الفسفور الأبيض سيؤثر على حياة أجيال مقبلة من أطفال وشباب ونساء الفلوجة.

 

واتهمت المنظمة اليابانية الحكومتين الأمريكية والبريطانية بعدم الاهتمام بالرد على الاتهامات الموجهة لهما، إضافة لفشلهما فى الاعتراف بمسئولياتهما، أما مؤسسات الأمم المتحدة المختصة بحقوق الإنسان وأمام منظمة الصحة العالمية.

 

واختتم تقرير المنظمة بمطالبة الحكومتين الأمريكية والبريطانية بضرورة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتحديد ومحاكمة المسئولين عن هذه الجرائم والانتهاكات، وطالبت أيضا بتحريم الحكومتين استخدام هذه الأسلحة فى أى صراع عسكرى مستقبلى.

 

ونادت المنظمة بضرورة أن تعلن لندن وواشنطن عن كل نتائج التحقيقات وأن تذكر بشفافية تفاصيل ما تم، ونوعيه وكميات الأسلحة والذخائر التى تم استخدامها.

 

ويقع على عاتق الحكومة العراقية الحالية أن تؤسس من ناحيتها لجنة تحقيق مستقلة للنظر فى المضلات الصحية التى نتجت عن استخدام هذه الأسلحة المحرمة، وأن تبادر بتوصيل هذه الحالات للمحاكم والهيئات الدولية بصورة رسمية، وهو ما يلزمها بضرورة التعاون مع جهات التحقيق المختلفة.

 

•••

 

تعنى «الفلوجة» فى اللغة العربية الأرض الصالحة للزراعة، حيث تتفلج تربتها حين يمسها ماء السماء عن خيرات الأرض، إلا أنه وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على انتهاء الحرب أصبحت أراضى الفلوجة تتفلج عن تربتها بمواد تشوه أطفالها وتمرض نسائها وتسمم رجالها.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات