شباشب - لا مؤاخذة - حماس - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الخميس 5 يونيو 2025 11:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

شباشب - لا مؤاخذة - حماس

نشر فى : الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 8:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 8:30 م

فى الحادى والعشرين من شهر مايو الماضى، عقد مجرم الحرب الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، مؤتمرًا صحفيًا، بعد انقطاع عن مواجهة الصحفيين، دام ما يقرب من نصف عام، تقريبًا. يصور، عاميت سالونيم، خوف نتنياهو من مواجهة الصحفيين بقوله: «بيعملها على نفسه، من مجرد التفكير فى مقابلة يارون أفراهام، ويعرا شابيرا، وموريا أسرف فولبرج».
هناك مشكلة، مزمنة، بين نتنياهو والإعلام الإسرائيلى، الذى يسميه «إعلام الـ فيك نيوز» و«إعلام الترويع». من هنا كان سعيه إلى استحداث كيانات إعلامية موازية، تروج لأفكاره وتمتدح سياساته، مثل القناة التليفزيونية «الرابعة عشرة». هو، من يقف خلف مشروع القانون، الذى قدمه وزير إعلامه، شلومو قرعى، إلى الكنيست، ويستهدف تغيير وجه الإعلام، وإخضاع كل هيئاته لقوة سياسية، بعينها، أى الأحزاب اليمينية والدينية.
تطرق نتنياهو، فى المؤتمر الصحفى إلى جملة من القضايا، من أبرزها نواياه فيما يخص «اليوم التالى» فى قطاع غزة، حيث أشار، بوضوح، إلى أن الهدف من عملية «مركبات جدعون» هو إعادة احتلال قطاع غزة: «تستهدف العملية استكمال العمل. يوجه جيش (الدفاع) الإسرائيلى ضربات قوية لحصون حماس فى غزة. اسألوا سكان سديروت، ونتيفوت، وغلاف غزة عن قوة نيران جيش (الدفاع) الإسرائيلى المهولة، التى تزلزل بيوتهم. فى نهاية العملية ستكون كل مناطق قطاع غزة تحت السيطرة الأمنية لإسرائيل، وستباد حماس تمامًا».
وكرر نتنياهو شروطه، التعجيزية، غير المعقولة، لوقف الحرب فى غزة، التى تعنى، ببساطة، إقرار حماس بالهزيمة، وإعلان الاستسلام التام بلا أى شرط أو قيد. تخدم هذه الشروط الرغبة، المحمومة، لنتنياهو، فى استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، الأمر الذى يضمن بقاءه فى الحكم؛ ويتيح له التهرَّب من المطالبات بتشكيل لجنة تحقيق رسمية فى الإخفاق فى السابع من أكتوبر، إذ قال ردًا على تجاهله لهذه المطالبات: «نحن فى ذروة حرب، أتريدون الآن انتخابات أو لجنة تحقيق؟ أن يتسلح كل الجنود وكل القادة بمحامين وليس بقنابل»؟. من أبرز الشروط، التى ذكرها لوقف الحرب، تنفيذ خطة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لطرد سكان القطاع إلى دول أخرى، وجعل القطاع منطقة منزوعة السلاح: «أنا على استعداد لوقف الحرب إذا ما عاد كل (المخطوفين)، ونُزع سلاح غزة تمامًا، ونُفى قادة حماس، ونُفذت خطة ترامب».
تطرق نتنياهو، خلال المؤتمر الصحفى، إلى قضايا أخرى، منها موقفه من إيران، وهو موقف معروف، ومنها مهاجمته، زعيم حزب «الديمقراطيون»، يائير جولان، الذى اتهم إسرائيل بأنها «تقتل الأطفال الرضع فى غزة على سبيل الهواية»، قائلًا إنه يفعل ذلك من منطلق دوافع سياسية لإسقاط الحكومة، ومنها مهاجمته المحكمة العليا فى إسرائيل، التى رأت أن قرار إقالة رئيس الشاباك، رونين بار، كان غير قانونى، وبه تعارض مصالح، ومهاجمة المستشارة القضائية للحكومة، جالى بهراف ميارا، التى قالت إنه لا يجوز له تعيين رئيس جديد للشاباك لأن هناك تعارضًا فى المصالح. قال نتنياهو، ردًا على ذلك: «أريد أن أقرأ عليكم القانون الخاص بتعيين رئيس الشاباك. يقول البند 3أ: تُعين الحكومة رئيس الشاباك. الجميع يخضع للقانون. أنا، أنت، كل مواطنى إسرائيل، بما فى ذلك القضاة والمستشارة القضائية للحكومة أيضًا. لدىَّ هنا، فى رأيى، سؤال بسيط- هل ستحترم المحكمة العليا والمستشارة القضائية الشعب؟».
• • •
سعى نتنياهو، خلال المؤتمر الصحفى، إلى نفى وجود أى جفوة بينه وبين الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، قائلًا: «تحدثت مع ترامب، هاتفيًا، وقال لى، أريدك أن تعرف، يا بيبى، أن لدىَّ التزامًا تامًا تجاهك وتجاه إسرائيل. وتحدثت قبل بضعة أيام مع جى دى فانس (نائب ترامب). وقال لى، لا تصدق كل الـ «فيك نيوز» التى تحاول الوقيعة بيننا. أنت وأنا نعرف أنها ليست الحقيقة»، وأضاف: «نحن فى تنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، نحن نحترم مصالحهم وهم يحترمون مصالحنا، وهى متطابقة بشكل شبه مطلق».
نأتى، الآن، إلى فقرة «الشباشب» ــ لا مؤاخذة ــ بالمؤتمر الصحفى، وهى فقرة أثارت غضبًا، وانتقادًا، وسخرية فى صفوف منتقديه. الأصل فى المسألة، أن نتنياهو تبنى، طوال فترات حكمه الممتدة، تصورًا سياسيًا، يقوض فكرة «حل الدولتين» ويحول دون قيام دولة فلسطينية، وقد سعى، من أجل تطبيقه على أرض الواقع، إلى الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإلى تكريس الخلاف بينهما، ليمنع تواصلًا جغرافيًا ، قد يسمح بإقامة دولة فى المستقبل، وسعى، أيضًا، إلى شراء الهدوء فى قطاع غزة مقابل أموال، دفعتها دولة قطر، نقدًا وعدًا - 30 مليون دولار شهريًا.
بعد هجوم السابع من أكتوبر، وُجهت اتهامات إلى نتنياهو بأنه هو السبب فى تعزيز القدرات العسكرية لـ «حماس»، بسماحه بدخول الأموال القطرية، ومن ثم حاول، خلال المؤتمر الصحفى، التقليل من قيمة الأموال القطرية، قائلًا، إنها «ملاليم»، ونفى وجود علاقة بين التمويل القطرى وهجوم السابع من أكتوبر: «بما هاجمونا فى السابع من أكتوبر؟ طائرات إف 35؟ دبابات؟ لقد هاجمونا بالشباشب والكلاشنيكوف والنص نقل. ودى حاجات بملاليم. صحيحٌ، أنهم بنوا بكل ما لديهم من أموال أنفاقًا. لكن أيًا من هذه الأنفاق لم يتجاوز (الحدود). لأننى وجهت ببناء جدار تحت الأرض. هم توغلوا من فوق الأرض بالنص نقل، وبالشباشب، والكلاشنيكوف. وكلها أشياء لا تكلف شيئًا. بمعنى أن ما أدى إلى السابع من أكتوبر ليس المال القطرى، إنها فرية كبيرة».
• • •
المعنى، من وجهة نظر نتنياهو، أن المال القطرى، الذى صادق عليه، ليس هو المشكلة، ولا التصور السياسى الذى تبناه أيضًا. أحدثت فقرة «الشباشب» ردود فعل ساخرة وساخطة، فى الوقت نفسه، على شبكات التواصل الاجتماعى، فسمى البعض الخطاب «خطاب الشباشب»، وتساءل أحدهم، ملحقًا صورة لنتنياهو ولزوجه، سارة، وهى تنتعل «شبشبًا» أبيض: «من قال إنه لا يمكن تدمير دولة بالشباشب؟»، ورفعت إحداهن صورة لأسلحة استولت عليها إسرائيل من حماس، عليها شعار مصنع معروف للشباشب فى إسرائيل، وتحتها العنوان: «تشكيلة خريف 2023م»، وكتب أحدهم، ساخرًا: «نتنياهو الكلب إدَّى حماس 1٫8 مليار دولار، وهمَّا فضَّلوا يشتروا بالفلوس شباشب»، وكتب آخر: «نتنياهو: مش أنا اللى حولت الفلوس، دى قطر»، وقال آخر: «ملايين من الشباشب حولها مكتب نتنياهو لسنوات فى شنط لحماس»، وربط آخر، ساخرًا، بين اغتيال الدبلوماسى الإسرائيلى وخطيبته فى واشنطن والشباشب، قائلًا: «شرطة واشنطن: عثرنا فى بيت القاتل على شباشب». هذا هو الجانب الفكاهى فى ردود الفعل على «خطاب الشباشب».
فنَّد كثير من المراقبين ادعاءات نتنياهو، إذ اتهمه أوريئيل ديسكل، بالكذب، وبتحقير قدرة الجندى الإسرائيلى، وبتجاهل تحذيرات الأجهزة الأمنية: «عندما يقول بنيامين نتنياهو إن حماس غزتنا فى السابع من أكتوبر بالـ «شباشب»، فهو يسفه (شهداء) جيش (الدفاع) الإسرائيلى (الأبطال)، الذين حاربوا ضد آلاف من (المخربين) المسلحين من إخمص القدم حتى مفرق الرأس. الحقيقة هى، أن أفراد حماس أغاروا على غلاف غزة وهم مدججون بالسلاح والعتاد الحديث، بهدف البقاء أطول فترة ممكنة فى المستوطنات التى احتلوها. هم لم يأتوا بالـ شباشب. هذا كذب (...) لقد حذَّره مسئولو الأجهزة الأمنية، من أن الأموال القطرية تذهب إلى الذراع العسكرية لحماس، لكنه أصر على مواصلة دفع الأموال لها». ويقدّر، ديسكل، أن الأمر له علاقة بالقضية التى صارت تعرف باسم «قطر جيت»، وبالأموال التى دفعتها قطر للمسئولين فى مكتبه. وقال، ناداف إيال: «أريد أن أكتب هنا، بأوضح صورة، بأن ما رأيته، بأم عينى على أرض الواقع، يشهد بأن غزو حماس لدولة إسرائيل كان بحجم فرقة بجيش جاهز، ومتمرس ومتطور. لم يكن (مخربو) النخبة مجموعة من الدهماء، وإنما وحدات كوماندو مدرَّبة. بعد أن ركَّعوا جيش (الدفاع) الإسرائيلى وقوات الحماية (المدنية) بالمستوطنات الإسرائيلية، وصلت موجة ثانية، من أفراد شرطة حماس ومسلحون آخرون (...) ثمة انطباعٌ بأن نتنياهو لم يستوعب بعد ما حدث هنا فى السابع من أكتوبر. لقد كان الفشل العسكرى فظيعًا، لكن لا يقل فظاعة عنه هو جيش (الإرهاب) الذى بنته حماس، بدهاء، تحت سمع وبصر الحكومة الإسرائيلية (...) المسئول عن هذا الوضع هو الإنسان الوحيد من بين المسئولين عن السابع من أكتوبر الذى كان فى المنصب بشكل متواصل (تقريبًا) منذ 2009م: بنيامين نتنياهو».
واتهمته، سيما كدمون، بأنه يسخر من عقول الإسرائيليين: «فهمتم؟ «شوية الفلوس الفكَّة دى، مصروف الجيب اللى حوَّله لحماس، لم تذهب لبناء أنفاق وبنى (إرهابية)- وإنما لإقامة بنية تحتية مدنية. أيوه، وللشباشب. ياله من دجل. ياله من كلام فارغ. إن احتقار نتنياهو للجمهور ونظرته له مهينان جدًا واستخفافيان، لدرجة أن رئيس الحكومة، الذى يصر على تسمية حرب السابع من أكتوبر «حرب البعث»، سيحكى لنا، أيضًا، بأن جيش (الدفاع) الإسرائيلى حارب فرقة من المشجعات تزوقت بتوكٍ من الحرير وارتدت تنانير بليسيه». إذا كانت «حماس» قد أذلت إسرائيل بالشباشب، كما يعترف نتنياهو، فكيف لو امتلكت معشار ما يملكه جيشه من عتاد وأسلحة، أو ظهيرًا داعمًا فى رُبع حجم الظهير الأمريكى والأوروبى؟

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات