«لا جديد تحت الشمس» جملة يكرهها مؤرخو وعلماء التاريخ ولهم كل الحق فى ذلك، لكن عدم وجود جديد تحت الشمس معناه أن الأحداث لا تتكرر ومؤداه أننا لا نستطيع التعلم من التاريخ كى نتخذ قرارات مستقبلية. نجد فى الكثير من الكتب والمقالات نصيحة أننا يجب أن نتعلم من التاريخ لكن لا يقول لنا أحد كيف نتعلم من التاريخ. التعلم من التاريخ صعب جدا والمحاولات فى هذا الاتجاه والدروس المستفادة يجب أن يتم التعامل معها بحذر شديد.
سنجد على سبيل المثال كتبا لا تعد ولا تحصى تتكلم عن أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية مع أن هذا حدث منذ أكثر من خمسة عشر قرنا (تحديدا سنة 476 ميلادية)، هذا معناه أن الإجابة النهائية غير موجودة وكل ما يكتب محض اجتهاد نتيجة ظهور وثائق جديدة أو معلومات جديدة أو حتى طريقة جديدة فى التحليل. كيف نحصل على دروس مستفادة من كل تلك الكتب التى صدرت وما زالت تصدر عن سقوط الإمبراطورية الرومانية؟ هذا يختلف عن العلم الصارم، إذا ظهرت نظريات كثيرة لتفسير ظاهرة فإن أكثر تلك النظريات تختفى مع التحليل العلمى والنتائج المعملية ولا تبقى إلا النظريات التى تصمد أمام كل ذلك. هذا لا يحدث كثيرا فى التحليل التاريخى، مثلا هل يمكن معرفة على وجه اليقين السبب الذى دفع هتلر لإعلان الحرب على أمريكا سنة 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية؟ الإجابة هى لا. لماذا من الصعب التعلم من التاريخ؟
لنفترض أن هناك حدثا فى الماضى يشبه موقفا نواجهه الآن، كيف نستفيد من الماضى؟ هناك عدة أسئلة يجب أن نطرحها: أولا هل العوامل المؤثرة فى الحادث القديم هى نفس العوامل الموجودة فى الحادث الحالى؟ هل كل واحد من هذه العوامل له نفس الأهمية فى الماضى والحاضر؟ الإجابة عن هذين السؤالين فى منتهى الصعوبة لأننا فى عالم متشابك به عدد لا نهائى من المؤثرات، لكن لنفترض أننا أجبنا عليهما يأتى السؤال الثالث: هل التركيبة النفسية للأشخاص المؤثرين فى الحدث القديم وطرق تفكيرهم وثقافتهم تشبه الأشخاص المؤثرين فى الحدث الحالى؟ إذا أجبنا بالإيجاب عن هذا السؤال وهذا شبه مستحيل نصل إلى السؤال الرابع: ما هو تأثير العامل التكنولوجى على سير الأحداث؟ التكنولوجيا الحديثة يقينا أكثر تقدما من التكنولوجيا فى الماضى والتكنولوجيا لها تأثير كبير على الأحداث التاريخية وهذا التأثير يجب دراسته بدقة وعمق.
نحن لا نتحدث عن التكنولوجيات الحربية فقط لكن حتى التكنولوجيات المستخدمة فى الحياة العادية قد يكون لها تأثير كبير على الأحداث التاريخية. الأسلحة المتقدمة لها تأثير كبير طبعا لكن أيضا تكنولوجيا الاتصالات التى ليست فقط تساهم فى نقل المعلومات بسرعة وفى التجسس لكن تساهم فى الوصول لكثير من الناس والتأثير عليهم كما نرى فى أيامنا هذه. التكنولوجيا تساهم فى رفاهية الإنسان، ولكن أيضا فى جعله أضعف وأقل تحملا وهذا يؤثر فى طريقة تعاملهم مع الأحداث وفى طريقة اتخاذهم للقرار وهذا معناه أنه دائما يوجد جديد تحت الشمس لأن الأحداث التاريخية لا تتكرر.
التكنولوجيا فى أيامنا هذه تحتاج طاقة أكثر بكثير من الماضى ولهذا أصبحت الأحداث فى عالمنا تدور حول الطاقة ومصادرها وهذا يختلف عن الأحداث فى الماضى البعيد حتى ولو وجدنا أحداثا تشبه الأحداث الحالية فى هذا الزمن السحيق. دولة صغيرة الآن تستطيع أن تتحكم فى دولة كبيرة عن طريق التحكم فى الطاقة التى تحتاجها الدولة الكبيرة وتمتلكها الدولة الصغيرة، احتلال دولة لدولة أخرى أصبح يبث لحظة بلحظة للعالم كله مما يؤثر على علاقة الدول ببعضها وكان هذا لا يحدث فى الماضى بنفس تلك السرعة، كل ذلك يحدث بسبب التكنولوجيا.
التكنولوجيا لها تأثير أغلبه سيئ للأسف على مناخ كوكبنا وهذا يؤثر سلبا على الصحة ويزيد من الكوارث الطبيعية وهذا بدوره يؤثر على كل الأحداث التى قد تتشابه مع بعض الأحداث فى الماضى ويجعل من الصعب استخراج درس مستفاد.
أعتقد وهذا رأى شخصى أننا يجب أن ندرس العديد من الأحداث التاريخية ونحللها قدر ما نستطيع حتى نتخذ قرارا أقرب إلى الصواب فى موقف حال لأن التعلم من موقف واحد فى الماضى يتشابه مع موقف فى عصرنا لن يقودنا إلى الصواب كما تحدثنا فى مقالنا اليوم. النقطة الأخرى التى نخرج بها من هذا المقال أننا يجب أن ندرس بعمق أكثر تأثير التكنولوجيا على الأحداث التاريخية ولا نركز فقط على التكنولوجيا الحربية.