ما شهده صعيد مصر على مدى الأسبوع الماضى لم يكن جديدا عليه للأسف، بل سبق أن عانت القرى نفسها وتهدمت البيوت نفسها وغرقت الطرق نفسها بالكيفية ذاتها من قبل.. تستدعى ذاكرتى منذ الصغر عبارات عديدة كلها تحوى كلمة (السيول) بصيغ مختلفة لكن الرابط المشترك بينها كان دائما توقيت وقوع الكارثة.. لن تسمع عن (مجرى السيل) وما جرفه (السيل) والسد الذى فشل فى احتجاز مياه (السيل) أو الآخر الذى احتوى مياه (السيل) إلا فى توقيت واحد. تحديدا بعد أن يجرف السيل كل ما أمامه!
***
(٢)
وعلى الرغم من أن أزمتنا تحمل الطابع الكارثى لكنها كأى أزمة تحتاج إلى درجات مختلفة من التعامل.. فهناك إجراء يحول دون وقوع الأزمة ابتداء، وآخر يتعلق بمواجهتها لتقليل الخسائر البشرية والمادية قدر الاستطاعة، وثالث يتعلق بمداواة آثارها إما على التوازى وإما على التوالى مع جهود المواجهة وأخيرا إجراء رابع يتعلق بالتدابير اللازمة للوقاية المستقبلية من آثارها.. من فضلك ساعدنى بمعلومة قد تكون وصلتك عن إجراء من هؤلاء سواء سبق الكارثة أو زامنها أو استبق أخوات منتظرات لها يقدمن مع فصل الشتاء الحقيقى!
البشر مشتركون فيما ينزل بهم من كوارث طبيعية أيا كان التقدم العلمى الذى تتفوق به مجتماعتهم على نظيراتها.. كلهم معرض لزلزال الأرض أو انهمار ماء السماء.. لكنهم قطعا متفاوتون فى علاج الآثار وجهود الإنقاذ وتداعى أعضاء المجتمع المعافى بالعمل التطوعى لمواساة أولئك المنكوبين.. متفاوتون فى تقدير المسئولية ومحاسبة المقصر وتعرية الخطأ.. والحق أنه لا دور بارزا يلعبه العلم فى هذا التفاوت.. هى فقط الإنسانية الحقة!
***
(٣)
أمّا التجاهل الإعلامى فيجعلك أمام مجموعة محدودة من الخيارات.. إمّا أنَّ الأمر لا جديد فيه، هو هو الإعلام نفسه كما أنه هو هو الصعيد نفسه.. فعلام الدهشة؟
أو أن الأولوية الكبرى لكل إعلامى أيا كان موقعه فى الجهاز ــ أى الجهاز الإعلامى ــ تنصبُّ على موضوعٍ من اثنين إمّا التخويف من تظاهرات غامضة دعت إليها جهات غير معروفة وتبنت مطالبها أسماء مجهولة ولم يروج لها أحد مثلما فعلت القنوات الفضائية.. وإما التبارى فى شتم وقذف أى من هؤلاء: (البرادعى) أو (سائق التوك توك) أو ( إياد مدنى)!
خيار الخوف من ردود الأفعال مطروح أيضا.. لكن الحقبة التى نعيشها بما تحمله من واتس آب وفايس بوك وكل وسيلة تواصل إلكترونى ممكنة تجعل هذا الخيار ساذجا جدا لم يتعلم صاحبه من دروس الماضى بعد.. أو لعله استوعبها لكنه يظن نفسه أذكى من الآخرين وأكثر إحاطة!
***
(٤)
(دعم تنمية الصعيد) هو أحد بنود استخدامات الموازنة العامة المصرية.. ووفق ما تشير وزارة المالية كان الرقم الذى تم إنفاقه على هذا البند هو (صفر) للأعوام ٢٠١٣ و٢٠١٤و ٢٠١٥ ! والصفر هذا نادر الحدوث فى بنود الصرف كما تعلمون! أما للعام ٢٠١٦ فلقد تم تخصيص مبلغ مائتى مليون جنيه ولم يتسن بعد معرفة ما تم صرفه منها فى الواقع، وكان المبلغ ذاته هو مقترح الحكومة للبند نفسه عن العام المقبل.
مائتا مليون جنيه فى العام لدعم تنمية صعيد مصر كله والأغلب أن نصفها لن يوجه لهذا الغرض.. هل أحتاج إلى عقد مقارنة مع بنود صرف أخرى تعلو نفس الرقم أو تعقبه فى نفس الموازنة؟ لا أعتقد أننا بحاجة إلى ذلك.. هذا جزء من الحكاية!