فى التخييل واستراتيجيّات بناء سيرة الهويّة الأنثويّة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى التخييل واستراتيجيّات بناء سيرة الهويّة الأنثويّة

نشر فى : السبت 3 ديسمبر 2022 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 3 ديسمبر 2022 - 8:45 م
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتبة سوسن ناجى، تقول فيه إنه لما كانت الكتابة أحد عوامل تحرير الذات والخروج من القهر، ظل أساس الكتابة الأنثوية العربية هو كتابة السير الذاتية أو نصوص روائية تحتوى فى مضمونها على سير الكاتبات الذاتية.. نعرض من المقال ما يلى.
تتعدّد دوافع الذّات الكاتبة لكتابة سيرة الذّات بقدر ما تتعدّد تصوّرات الأنا لنفسها. وكلّما تغيَّر تصوُّر «الأنا» لذاتها، تبدَّلت دوافع كتابة هذه «الأنا» لسيرتها. والذّات الأنثويّة حين تدوِّن سيرتها الذاتيّة أو يوميّاتها، أو مذكّراتها، أو حين تكتب رسائلها بلسان الأنا تُصبح هى نفسها موضوع الحديث ومادّته، بما يمثِّل تجربة الإنسان أمام المرآة.
لكنّ تجربة المرأة ــ هذه ــ لا تخلو من المُراوَغة فى إطار وعيها بأزمة الذّات فى اشتباكها مع المُجتمع، أضف إلى أنّ هذه الذّات عندما تكتب نفسها، لا تكتب لنا ما جرى، وإنّما ما خبرت أنّه جرى، وأحيانا ما توهَّمت أنّه جرى، وكلّما اختفى الشهود، أو أَوْهَنَ الزمنُ ذاكرةَ الأحداث، أَطلقتْ لنفسها العنان؛ فنحن هنا بإزاء نَوعٍ من الإبداع الأدبيّ الذى يخضع لموضوعات الكتابة من تخييلٍ وإيهام.
وإذا كانت كلّ كتابة وثيقة الصلة بوضْعِ مَن يكتبها فى المُجتمع، فإنّ كاتبات السيرة الذاتيّة من النساء كثيرا ما يتحدّثْنَ باسم النساء عن همومٍ وهواجسَ مُرتبطة بهنّ. فضلا عن أنّهنّ يخشين أن يستعرضْنَ حياتهنّ على الملأ بطريقةٍ مباشرة، فالمرأة فى رأى البعض ينبغى ألّا تكشف حياتها الخاصّة على العامّة، وأنّ ما تكتبه لدى حديثها عن نفسها بالتالى، ليس إلّا خَرقا للتقاليد، وبصورة أكثر تحديدا للممنوع، ومن الصعب فى رأيهم السماح لها بالاعتراف فى سيرتها الذاتيّة، بخاصّة إذا تمَّ نشْرها؛ لذا لجأت نساءٌ كثيرات إلى أسماءٍ مستعارة للتخفّى وراءها.. فهذا العرض للأنا لا يتمّ بسهولة.
ربّما لهذا السبب يندر قيام «فنّ السيرة الذاتيّة» على مستوى الكتابات النسائيّة الحرّة، بحيث يلجأ عددٌ من الكاتبات إلى نصّ روائى ربّما يحتوى فى مضمونه على سيرتهنّ الذاتيّة. فالرواية، إذا ما توافَرَ لكاتِبتها شيء من الصدق الفنّى، تُعَدّ من أكثر الفنون التى يُمكن من خلالها الكتابة من منطقة مباشرة تسمح بنشوء القصّ الذاتى، الذى يخفت فيه صوت الراوى ويَرتفع صوت الشخصيّة.

أدبُ المُقاوَمة
ومن الأنواع الأدبيّة البديلة للترجمة الذاتيّة أو الناتجة عن تقاطعات هذا النَّوع مع الأنواع الأخرى: أدب المقاومة أو (مذكّرات السجن النسائيّة)، باعتباره نَوعا أدبيّا خارجا على القانون، يقوم بتحطيم أدبيّات النّخبة/ مُمارِسًا ــ بلغويّاته ــ ضغطا على حدود الأنواع الأدبيّة الأخرى المُتعارَف عليها، باعتباره خارج السيرة الذاتيّة السائدة أو مُعارِضا لها لكونه يتناول تجربة السجن. ويُمكن التعرُّف على شكل التقويض هذا مُمثلَّا فى عمليّة تفكيك المؤلِّفة لطيفة الزيات، على سبيل المثال، فى نصّها «حملة تفتيش» الذى لم تكتب فيه سيرتها بالطريقة الأدبيّة التقليديّة مثل رصد تفاصيل حياتها التى لا تفيد الصراع، لكونها لا تسعى إلى تسجيل أحداث حياتها، وإنّما إلى تشكيل رؤيتها لمَسار هذه الحياة، بحيث اعتمدت الكاتبة على حريّة اختيار التفاصيل، وهو شكل فنّى يعكس التطوُّر والتحوُّل الذى طرأ على الشخصيّة مواكَبةً مع التطوُّر السياسى والاجتماعى فى المجتمع؛ لذا تمثِّل هذه الكتابات مراحل ومشاهد أو لقطات من الحياة الشخصيّة والسياسيّة للمؤلِّفة فى آن، فضلا عن نقدها الذات الأدبيّة، حيث أقدمت فى هذه السيرة على تقديم سيرتها وسيرة كِتاباتها فى إطار مسارها الحياتى وما عَكَسَهُ هذا المَسار من تحوّلات وتطوّرات فى الشخصيّة والكتابة.
تبقى الكتابة أحد أهمّ العوامل لتحرير الذّات والخروج من دوائر القهر إلى دنيا الخلاص والالتحام بالجماهير العريضة، تقول: «أجلس لأكتب، أدفع الموت عنّى فى ما يبدو أنّه سيرة ذاتيّة». وبهذا تستمدّ الكاتبة قوّتها من الكتابة، للخروج من محبسها فى سجن القناطر فى العام 1981.
لكن تبقى السيرة الذاتيّة هى أساس الكتابة الأنثويّة العربيّة بصفة عامّة، حيث كانت حياة الكاتبة/ الذّات مادّة الكاتبة الأولى، فجاءت غالبيّة هذه الكتابات سِيَرا ذاتيّة روائيّة أو متخيَّلة. لكن سواء أكانت السِّيِر الذاتيّة روائيّة أم غير روائيّة، فإنّها تنبع كلّها من الرّغبة فى سرد الذّات وعرْض الأنا. وكم كان صائبا هنا قول جورج جوزدورف: إنّ كلّ كتابة أدبيّة فى حركتها الأولى هى كتابة الأنا.
النص الأصلى: https://bit.ly/3ixhhTe
التعليقات