قد يبدو عنوان هذا المقال غريباً على الأسماع، سمعنا ورأينا عن أفلام ومسلسلات كوميدية ترفع شعار الضحك للضحك لكننا في هذا المقال سنتكلم عن الفكاهة وأهميتها في المجالات العلمية أي أننا سنتكلم عن الضحك للعلم.
في مقال سابق منذ قرابة عام تحدثنا في موضوع الفكاهة واليوم نكمل حديثنا في هذا الموضوع الذي قد يبدو طريفاً ولكنهم مهم للغاية وأهميته تأتي من أن الفكاهة تزيل التوتر والملل الذي قد يشعر به المتلقي وبذلك تجعله أكثر إنتباهاً للمادة العلمية المقدمة، الحس الفكاهي في عصرنا هذا هو من أهم مقومات توصيل المعلومة وأرجو ألا يقع القارئ العزيز في خطأ إعتبار الفكاهة ضد الوقار وأن الباحث أو الأستاذ الجامعي يجب أن يكون وقوراً أي عبوس الوجه متجهم يخشى الناس الكلام معه وهذا خطأ كبير فعندما تنجح في توصيل المعلومة بطريقة سهلة ميسرة فسترتفع قيمتك لأن علمك سيكون له تأثير.
فلننظر إلى الفكاهة في عدة مواضع: المحاضرات والمناقشات العلمية والمقالات العلمية.
الفكاهة في المحاضرات لها أهمية قصوى، يدخل المستمعون إلى المحاضرة وهو يتوقعون أن يتعلموا شيئاً جديداً ويكون إنتباههم في أقصاه في بداية المحاضرة وشيئاً فشيئاً يقل الإنتباه ثم يزيد فجأة في نهاية المحاضرة عندما تقول شيئاً من قبيل "وفي النهاية نرى أن ...".
هذا السيناريو يحدث في السواد الأعظم من المحاضرات الطويلة نسبياً أي التي تكون طولها أكثر من 45 دقيقة، لذلك أحد أنجح الوسائل هي استخدام الفكاهة، يمكن استخدامها بطريقتين إما بإلقاء نكتة أو موقف طريف متعلق بموضوع المحاضرة كل عدة دقائق أو باستخدام طريقة طريفة في الشرح نفسه وهذا يشبه الشرح بطريقة الحكاية، بعد كل تلك السنوات في المجال العلمي بجناحيه التدريس والبحث العلمي وبعد حضور أو الاستماع إلى مئات إن لم يكن ألاف المحاضرات استطيع أن أقول وبكل ثقة أن الفكاهة إذا استخدمت بطريقة صحيحة تنتج محاضرات علمية أكثر نجاحاً بكثير من المحاضرات العلمية الجافة.
نأتي الأن إلى المناقشات العلمية (ماجستير ودكتوراه)، منذ عدة أيام كنت استمع إلى إذاعة البرنامج العام وكان هناك برنامج إذاعي لم أكن أعلم بوجوده بعنوان "في رحاب الجامعة" وكان يذيع مقتطفات من مناقشة رسالة ماجستير، كان ذلك دافعاً لي لأفكر في ما إذا كانت للفكاهة مكان في المناقشات الجامعية لمنح الدرجات العلمية، إذا نظرنا إلى شخصيات المناقشين سنجد الآتي: المناقش الحنون الذي يتميز بالطيبة الشديدة مع الطالب ويمدح عمل الطالب أو يعطي ملاحظات قليلة ويقول في نفسه أن الطالب لابد أنه أجهد نفسه كل تلك السنوات أو أن هذه هي الفرصة الأخيرة للطالب كي يحصل على الدرجة فلنعطها له حتى وإن كان العمل المقدم لا يرقى لمستوى الدرجة المتقدم إليها، ونجد على الجانب الآخر المناقش الأكثر حدة والذي يسأل الأسئلة بطريقة حادة أقرب للهجوم قد تدفع بعض الطلبة إلى البكاء ويعطي الكثير من الملاحظات حتى التي يمكن أن تعطى خارج المناقشة (مثل طريقة الكتابة وعلامات الترقيم) فمن وجهة نظري أن الوقت المحدد للمناقشات العلمية ينبغي أن يستخدم للملاحظات العلمية أما ملاحظات الكتابة (وهي هامة ولا شك) من الممكن أن تُعطى للطالب خارج وقت المناقشة، النوع الثالث من المناقشين هو من يناقش ويعطي ملاحظات بطريقة شيقة ولا تخلو من فكاهة وهذا يزيل توتر الطالب ويجعل المناقشة نوع من التعلم أيضاً، فللفكاهة مكان مهم في المناقشات العلمية.
نأتي الآن إلى المقالات العلمية وهي نوعان: مقالات موجهة للعامة ومقالات للخاصة، النوع الثاني من متخصص لمتخصصين ويجب أن تتبع قواعد أكثر صرامة من المقالات الموجهة للعامة فمجال الفكاهة ضيق ولكن التشويق قد يكون له مكان هناك ولكن بضوابط معينة، أما المقالات وحتى الكتب العلمية الموجهة للعامة فيجب أن تكون شيقة والفكاهة تلعب دور مع التشويق في توصيل المعلومة للقارئ بشكل ممتاز، إنظر إلى كتب علماء أمثال ستيفن هوكنج أو ريتشارد فاينمن (تلك الموجهة للعامة) وستفهم ما أعني بالفكاهة والتشويق.
ما أردت قوله في هذا المقال أن الفكاهة إذا استخدمت بطريقة صحيحة فهي لا تتنافى مع الوقار بل على العكس، نحن شعب نتميز بحس فكاهي عال فلنستثمر ذلك.