كيف يمكن التوفيق بين تمكين وسائل الإعلام المختلفة من ممارسة عملها بكل حرية ومهنية، وعدم المساس بالأمن القومى للبلاد فى نفس الوقت؟
هذا السؤال كان محورا للنقاش فى ورشة عمل مهمة نظمها المجلس الأعلى للإعلام، الذى يرأسه الأستاذ كرم جبر ظهر يوم الخميس الماضى، وبمشاركة كل من رئيس الهيئة الوطنية للصحافة عبدالصادق الشوربجى، ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين وعدد من رؤساء تحرير الصحف والإعلاميين.
مدير الندوة الإعلامى نشأت الديهى عضو المجلس الأعلى للإعلام، طلب منى الحديث، فقلت إن الهدف الرئيسى لوسائل الإعلام هو تقديم الأخبار والمعلومات للجمهور، وبعدها نشر الوعى والمعرفة وتعميق الانتماء. وإذا كان المنع والحظر جائزين فى الماضى، فلم يعودا ممكنين الآن فى ظل التطور التقنى المتسارع، وبالتالى فإذا اعتقد البعض أن المنع مفيد، فسوف يكتشف فورا أن هناك وسائل إعلام متعددة بعضها معادٍ، سوف تقوم بنشر ما تم حجبه وربما بصورة مشوهة.
والنتيجة المؤكدة أن الجمهور سوف ينصرف عن متابعة وسائل الإعلام. فماذا سنفعل وقتها؟!
قلت أيضا إن البعض يرى أن نشر الجرائم مضر بالمجتمع، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن لو أننا منعنا نشرها، فإن غيرنا سوف ينشر، فماذا نفعل؟!
ثالثا: قد يرى البعض عدم النشر فيما يتعلق ببعض القضايا مثل تطورات سد النهضة، أو الأوضاع فى ليبيا أو المنطقة العربية عموما، والسؤال: وما هى درجة الخطورة، لو أن الأطراف الأخرى ــ خصوصا لو كانت معادية ــ قامت بالنشر؟! والنقطة الأخيرة أثارها د. محمد الباز.
قلت بوضوح أيضا أن الحل يكمن فى المزيد من الحريات وتداول المعلومات، طالما أن هناك قوانين محددة، تمنع وتعاقب أى مساس بالأمن القومى. الحريات تعنى مزيدا من الممارسة المهنية، والأخيرة ستقود بصورة آلية إلى مراعاة كل ما يتعلق بالأمن القومى، ولو أن شخصا أو وسيلة إعلامية خالفا ذلك فلدينا العديد من العقوبات التى تم تشديدها فى السنوات الأخيرة.
الفكرة الجوهرية أن الحكومة وأجهزتها الإعلامية يفترض أن يكون هدفها هو قيام وسائل الإعلام المصرية برسالتها ودورها فى نشر الأخبار والتأثير فى المجتمع المصرى، ولو أننا اتبعنا سياسة المنع والحظر والتضييق فإننا نقدم لكل أعداء مصر ساحتنا الإعلامية على طبق من ذهب. خصوصا أن بعض القنوات المعادية والممولة من الخارج تحاول أن تفعل ذلك كل لحظة، فهل نعطيها الفرصة لذلك؟!
الإعلام يهدف دائما إلى أكبر مساحة من الحرية. هذا هو دوره. ومفهوم الأمن القومى القديم يتمنى لو أنه لم يتم نشر أى شىء. فكيف نحل هذا التناقض إذا كان هناك تناقض بالفعل؟!
الأمر ببساطة أن نمارس الحرية المسئولة فى إطار القانون وأن نضمن أن الإعلاميين والصحفيين يتمتعون بأكبر قدر من التأهيل والتدريب والمهنية.
قلت فى مداخلتى أيضا إن روسيا المتهمة بأنها دولة قمعية تمكنت من التأثير فى العديد من المجتمعات الأوروبية وأمريكا. وهناك اتهامات مستمرة من الغرب بأنها صارت تؤثر ليس فقط فى الانتخابات الغربية، ولكن فى الرأى العام، وأخيرا سمعنا عن محاولات روسية للتأثير فى الرأى العام العربى.
وبغض النظر عن رأينا فى هذا الأمر سياسيا وأخلاقيا، فالمهم ألا نجعل أى طرف يؤثر فينا، والهدف أن نؤثر نحن فى الآخرين بصورة ما. ولن نكون قادرين على التأثير من دون إعلام قوى ومهنى وحرفى وجذاب، وأن تكون هناك فضائية مصرية إقليمية قوية، وهو الطلب الذى طرحه الإعلامى عمرو عبدالحميد ورد عليه حسين زين بأن الأمر قيد الدراسة.
أسعدنى قول كرم جبر بأن «هدف الندوة ليس المنع والتقييد، وأننا لن نؤثر فى الآخرين إلا بعقول منفتحة وجريئة».
ظنى أنه حان الوقت لأن يدرك الجميع أن حرية الإعلام هى أفضل طريق يساعد الحكومة والدولة. ليست الحرية المطلقة والمنفلتة بل «الحرية المنضبطة» فى إطار القانون كما قال نشأت الديهى.
نريد إعلاما مصريا مستنيرا وجريئا ومتحررا ومتنوعا فى إطار القانون. وإذا حدث ذلك، فإنه سيكون أفضل ضمانة وحماية ليس فقط للأمن القومى بالمفهوم القديم، ولكن لاستقرار المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وهو ما يمثل أعلى درجات الأمن القومى بالمفهوم الحديث.