المال والسياسة والانتخابات «تونس تنتخب» - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المال والسياسة والانتخابات «تونس تنتخب»

نشر فى : الثلاثاء 4 نوفمبر 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 4 نوفمبر 2014 - 8:23 ص

أسماء نويرة

أسفرت النتائج الاولية للانتخابات التشريعية، كما هو متوقع، عن تبلور قوتين برلمانيتين كبيرتين تتنافسان فى حكم تونس. كما كان تراجع حزب حركة النهضة متوقعا أمام حزب نداء تونس. وهو ما أفرزته مختلف عمليات سبر الآراء التى أجريت سنة 2014. ما لم يفرزه سبر الآراء هو أن يصبح حزب «الاتحاد الوطنى الحر» القوة الثالثة بالمجلس النيابى رغم الفارق فى النسب الانتخابية بينه وبين العملاقين (النداء والنهضة).

ويعيدنا هذا الحدث إلى انتخابات المجلس الوطنى التأسيسى حين فازت قوائم «العريضة الشعبية» بالمرتبة الثالثة أيضا، وذلك بحصولها على ستة وعشرين مقعدا. وبرز تيار «العريضة الشعبية» بشكل مفاجئ كتحالف انتخابى يقوده هاشمى الحامدى من الخارج عبر قنواته التلفزية ويخاطب ناخبيه عبر سكايب. ولم تتجه أعين المراقبين إليه حيث كان الاهتمام مركزا على التيارات والأحزاب السياسية التقليدية إسلامية كانت أم علمانية.

وخلافا لتيار العريضة الشعبية الذى خاض انتخابات 2011 كتيار وتحالف انتخابى بين مجموعة من المستقلين، فإن الاتحاد الوطنى الحر خاض انتخابات 2011 و2014 كحزب. والفرق فى النتائج كبير بين انتخابات المجلس التأسيسى والانتخابات التشريعية. إذ مرّ من مقعد فى الأولى إلى حوالى سبعة عشر فى الثانية (حسب النتائج الأولية). وخلافا للعريضة الشعبية التى تم تفسير نجاحها بعدة عوامل أهمها العامل العائلى والتحالف مع قواعد التجمع الدستورى المنحل وشبهة شراء الأصوات، فإن أصابع الاتهام توجهت إلى المال السياسى «الفاسد» كعامل أساسى فى فوز قائمات الاتحاد الوطنى الحر. فسليم الرياحى، رئيس هذا الحزب ومؤسسه، ورئيس النادى الافريقى، أحد أكبر وأعرق الفرق الرياضية فى تونس، هو من بين رجال الأعمال التونسيين المتهمين بالفساد وتكوين ثروة مالية طائلة من مصادر غير مشروعة، من خلال علاقته الوطيدة بالنظام الليبى السابق وتبييض الأموال. ورغم تأكيده فى العديد من التصريحات الصحفية على شرعية مصادر ثروته التى تعود لنشاطه فى مجالات النفط والعقارات والاستثمار فى بورصة لندن، فإن سعيه المتواصل إلى التأثير على القرار السياسى من خلال ثروته لم يدفع عنه شبهة إغراق الساحة السياسية بالمال الفاسد.

•••

وقد يكون لفوز «الاتحاد الوطنى الحر» فى الانتخابات التشريعية تأثير على الانتخابات الرئاسية نظرا إلى أن سليم الرياحى هو أحد المتسابقين إلى قصر قرطاج والذى تقدم إلى الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم 23 نوفمبر المقبل (الدورة الأولى) بقائمة تزكيات بلغت مائة وثلاثة وعشرين ألف تزكية. وهذه نسبة عالية بغض الطرف عن الاتهامات، التى وجهت إليه بتزوير جزء منها. وقد تعطينا النسبة التى تحصّل عليها الحزب فى الانتخابات التشريعية فكرة أولية عن القاعدة الانتخابية فى سباق الرئاسة.

•••

من جهة أخرى، لم يقدم حزب «حركة النهضة» مرشحا للانتخابات الرئاسية ولم يعلن رسميا عن دعمه لاحد المرشحين السبع والعشرين قبل الانتخابات التشريعية. وهو ما يدل على ان الاختيار سيرتبط بنتائج هذه الانتخابات. عدد من الاسماء كان مطروحا كمنصف المرزوقى واحمد نجيب الشابى الذى لمّح وصرّح فى أكثر من مناسبة أنه لن يرفض دعم النهضة له. لكن حزبى هاتين الشخصيتين السياسيتين حققا نتائج جد ضئيلة ومقاعد محدودة فى المجلس النيابى. وهو ما يدفع إلى التفكير فى أن يكون سليم الرياحى المرشح المحتمل للإسلاميين مقابل تحالفه معهم داخل البرلمان، خاصة أنه لطالما سعى إلى التقرب اليهم.

من المؤكد أن حزب «حركة النهضة» سيسعى إلى عقد تحالفات داخل المجلس النيابى لكنه يبحث أيضا عن مرشح قادر على مزاحمة الباجى قائد السبسى. وتقتضى الحنكة السياسية ألا يتم التحالف مع «الحزب الوطنى الحر» ومرشحه للرئاسة بعد ما راج عنه من فساد. فتقف منه نفس الموقف الذى وقفته من «العريضة الشعبية» فى انتخابات المجلس الوطنى التأسيسى رغم حصولها على المرتبة الثالثة. وليس من مصلحة حزب «نداء تونس» التحالف مع «الاتحاد الوطنى الحر» رغم أنه قد يجد نفسه مرغما على التعامل معه وفتح المجال أمامه للمشاركة فى الحكومة باعتباره الحزب الفائز بالمرتبة الاولى وأعلن أنه منفتح على جميع الاطراف. فإن زعيم النداء الباجى قائد السبسى ربط تحالفه مع القوى السياسية الاخرى بشرط مهم، وهو الالتقاء حول نفس المبادئ الديمقراطية.

وكان المال السياسى خلال الحملة الانتخابية وإمكانية شراء الأصوات هما موضع جدل بين مختلف الأحزاب. حيث تبادل حزبا «نداء تونس» و«حركة النهضة» الاتهامات فى هذا الشأن. كما عبّر عدد من الاحزاب الصغرى، كحزب «العدل والتنمية» وحركة «وفاء» عن مخاوفهم من مدى تأثير هذا المال على نتائج العملية الانتخابية. وشككت الأطراف المنهزمة فى نزاهة الانتخابات ومصداقية النتائج متهمة الأحزاب الفائزة بشراء الأصوات.

وإن أكدت بعض منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال مراقبة الانتخابات، كجمعية «مراقبون»، على أن شبهة استخدام المال السياسى موجودة، إلا أن الإصرار على تضخيم الظاهرة والتأكيد على أن المال السياسى كان العامل الأساسى والمحدد فى فوز الأحزاب الكبرى وغيرها يشكل احتقارا للناخبين وتشكيكا فى حس المواطنة لديهم. وقد يقوض كامل العملية الانتخابية كأساس للانتقال الديمقراطى لأنها أسست للتداول على السلطة.

•••

وبعيدا عن الجدل السياسى حول هذه الظاهرة، لابد من محاولة فهمها وتفسيرها، لأن ما حدث خلال الحملات الانتخابية وما قبل الانتخابية لم يكن إلا إفرازا لعوامل سابقة وتواصلا لممارسات لم تلق ردعا. فالمال السياسى كان حاضرا فى انتخابات المجلس الوطنى التأسيسى سنة 2011، خاصة قبل بداية الحملة الانتخابية. وكان ذلك خصوصا عن طريق جمعيات دينية خيرية تدور فى فلك بعض الأحزاب السياسية. ولم تبدأ مراقبة هذه الجمعيات إلا مؤخرا فى إطار محاربة الإرهاب. فتم حظر أكثر من مائة جمعية دينية وخيرية ثبت تلقيها لأموال مشبوهة من الخارج.

ومن بين العوامل التى يمكن أن تفسر انتشار هذه الظاهرة يمكن أن نذكر:

• ضعف الاطار القانونى: وهذا يحيلنا إلى مسألة التمويل فى قانون الاحزاب وقانون الجمعيات. وللتذكير فإن هذه المسألة كان سبب الازمة السياسية داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسى والانتقال الديمقراطى برئاسة الأستاذ عياض بن عاشور، والتى أدت إلى انسحاب بعض الأحزاب من الهيئة.

• صعوبة تطبيق القوانين الموضوعة أو القرارات المتخذة فى هذا الشأن، وذلك إما لضعف المؤسسات أو صعوبة الإثبات: فنذكر على سبيل المثال أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية للحيلولة دون هذ الظاهرة بأن أوكل القانون لدائرة المحاسبات (جهاز رقابى حكومى) مهمة مراقبة تمويل الحملة الانتخابية للمرشحين. وأعطت الإمكانية لهيئة الانتخابات كى تلغى فوز قائمة انتخابية إذا بينت دائرة المحاسبات أنها تجاوزت سقف الإنفاق، الذى يخوله قانون الانتخابات. لكن نجاعة هذه الإجراءات تبدو فى مدى القدرة على تطبيقها أولا ثم فى إمكانية اثبات التجاوزات المتعلقة بشراء الأصوات حتى يتمكن الهيئة من المحاسبة. وقد توعدت الهيئة بمحاسبة القائمات التى ثبت تورطها.

• تعطل مسار العدالة الانتقالية أدى عدم محاسبة رجال الأعمال الفاسدين. فانخرط عدد من منهم فى الحياة السياسية وحاولوا التأثير فى المشهد السياسى والإعلامى ومواقع القرار. وما فضيحة شراء بعض النواب فى المجلس الوطنى التأسيسى إلا دليل على ذلك. وكان ذلك حين كشف البحرى الجلاصى رئيس حزب «الانفتاح والوفاء» على مجموعة من الوثائق تثبت تلقى بعض النواب لأموال من قبله مقابل الانضمام إلى حزبه.

ولتلافى تنامى هذه الظاهرة مستقبلا، وحتى لا تؤثر سلبا على المسار الديمقراطى، لابد من العمل على مراجعة النصوص القانونية وخلق مؤسسات قادرة على الرقابة أو دعم الموجودة. ولا ضير من انخراط رجال الأعمال فى العمل السياسى لكن بشرط أن تتم محاسبة الفاسدين من بينهم. ولا ننفى وجود تفاعل بين المال والسياسة والانتخابات فى الديمقراطيات الغربية والعريقة لكن لا ننسى أن هذا التفاعل هو أحد أسباب دخولها فى أزمة ووضعها موضع النقد اللاذع. ويجب الوعى بخطورة هذه الظاهرة على ديمقراطية ناشئة لأنها تشوه قواعد اللعبة وتخلط الأوراق وتقطع الطريق أمام نشوء وعى مواطنى.

التعليقات