حب حتى العبادة - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:54 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حب حتى العبادة

نشر فى : الجمعة 4 ديسمبر 2020 - 9:45 م | آخر تحديث : الجمعة 4 ديسمبر 2020 - 9:45 م

هذا واحد من الأفلام التى ظلت مجهولة منذ صناعتها وحتى الآن، أى أن الفيلم يبلغ اليوم سن التقاعد ولم يره إلا القليلين رغم شهرة مخرجه، والعدد الكبير من النجوم الذين عملوا به، إنه «حب حتى العبادة» إخراج حسن الإمام 1959، وتمثيل صلاح ذو الفقار وتحية كاريوكا، وحسين رياض، وزيزى البدراوى، فلا أذكر أننى شاهدته على القنوات، وإنما هو متوفر على إيجى بيست، إنها الفترة التى اهتم فيها المخرجون بتناول موضوع المحرمات فى السينما وعلى رأسهم محمود ذو الفقار، وحسن الإمام؛ حيث قدم الأول «رنة الخلخال»، ثم «نساء محرمات»، أما الثانى فقدم العلاقات العاطفية الأسرية المحرمة فى «زمن العجايب»، و«لواحظ» و«حب حتى العبادة»، ولمس هذا الأمر الحساس من بعيد فى أفلام منها: «سر امرأة»، وفى «لواحظ» مثلا فإن بنت الليل تحب الضابط الذى لا تعرف أنه أخوها، وفى فيلم «حب معا إلى الأبد» لحسن رمزى هناك اكتشاف أن الفتاة أحبت شابا هو فى الأصل أخ لها، ثم تأتى النهاية ملفقة، كى يتزوج العاشقان
فى الفيلم الذى نتحدث عنه اليوم يعود الإمام ليصور لنا علاقة حب بين حسين والمرأة التى صارت راقصة، والتى نعرف فيما بعد أنها أمه، التى لم يقابلها أبدا وقد أخبره أبوه أنها ماتت فى طفولته، ويتبادل الابن والأم معا عبارات الحب والغزل إلى أن يتم اكتشاف الحقيقة، فتتبدل المشاعر من العشق والوله إلى الأمومة من جانبها، ويفاجأ هو أن حبيبته صارت أمه، أى أن قصة الفيلم تتنامى مع ارتفاع حدة المشاعر، لكن قبل الوقوع فى الخطيئة فإن الحقيقة تتكشف، وذلك فى مشاهد شديدة المأساوية والزعيق تتطلب ممثلا من طراز حسين رياض الذى رأيناه يتجلى ويندمج، مثل هذه المشاهد يؤديها بقوة أيضا زكى رستم، وتنمو العلاقة بين الأم وابنها فى مشاهد عاطفية، خاصة أن الشاب مصدوم بسبب أبيه فى مشاعره الفياضة بعد أن ابتعد عنها لرفض أبيه أن يتزوج تلك الفتاة بالذات، ما يعنى أن حسين فى أحوج الحال إلى امرأة يفرغ فى جسدها أحزانه العاطفية، ويتبادل معها عبارات العشاق وهما يلتقيان لأول مرة، فهما يقيمان فى الفندق نفسه، وفيما بعد يبوح كل منهما للآخر فيتعانقان، وترى فيه أنه رجل شقى، حتى لا يعرف المشاهد أنها أمه، أى علينا أن نصدقه وهو الشاب المصدوم، ذلك هو المحور الرئيس فى الفيلم، فالسيناريو يدخلنا فى قصص أخرى فرعية، ومنها قصة الزميل المنافس أحمد عبدالرحيم الذى يود أيضا الحصول على نعمت كزوجة، وعلى مقعد نقيب العمال فى المصنع، أما اسم الفيلم «حب حتى العبادة» فإنه يأتى من عبارات مفتعلة يرددها حسين لأمه بعد أن عرف الحقيقة، وهى العبارات التى كان يرددها لها قبل ذلك وهو يصحبها فى المدينة، والفنادق، وأماكن أخرى.
أى أننا أمام نفس الفكرة مع تنغيمات مختلفة، فالخيانة واردة مقابل الحب، فلقاءات العيون الأولى بين المرأة وابنها هى نظرات عيون تتمنى العشق، وهو حين يبوح لها بعواطفه تستجيب، لكنها تخشى الوقوع فى الخطيئة، يخبرها أنه يعبدها ويكرر الجملة أكثر من مرة، ولا شك أن العبادة هنا مصطلح خاص بالعاشق قاله لأمه مرات ولم يبح به لحبيبته الصغيرة نعمت، فهو يعرض على الراقصة الزواج، إلا أنها لا تستجيب له بالسرعة نفسها، والأم تعمل فى عالم الكباريهات، والماضى يطارد أصحابه، وأولادهم، ويعود كى يدفعهم للتقارب والتلاقى، وفى فيلمنا فإن لا أحد يدفع الثمن، والعقاب لا يمس أى طرف، ونعرف أن الأم كانت راقصة شريفة طوال عمرها، والبنات ضحايا للمشاعر خاصة نعمت التى تجد نفسها محاطة بالأسرار العائلية.
الفيلم ملىء بالتفاصيل الإضافية التى لا لزوم لها فى عضد الحدوتة، يبدو له سمة حسن الإمام الذى لم يستعن هنا بكاتبه المفضل محمد مصطفى سامى، فهو كاتب القصة والحوار، وترك السيناريو لكاتب آخر، والمخرج، الذى أطلقوا عليه دوما مخرج الفواجع، يملأ الفيلم بالرقصات بديلا عن الأغنيات فى أفلامه الأخرى، خاصة مع شادية، وتبدو تحية كاريوكا هنا وقد دخلت مرحلة منتصف العمر، ومع بدايات إسناد أدوار الأم، وامتلاء جسدها بشكل ملحوظ، ومن السهل جدا التعامل مع حسن الإمام أن أفلامه تخلو من التجديد، تعزف على موضوعات متشابهة، متكررة، فهو بستعين بالممثلين والممثلات أنفسهم، وعلى رأسهم حسين رياض وزوزو نبيل.
لعل الفيلم يفسر ظاهرة النشاط المكثف للعمل لدى المخرجين فى تلك الفترة، فحسن الإمام يمكنه أن بعمل فى أكثر من خمسة أفلام فى الوقت نفسه، فالنصوص المتشابهة موجودة وفريق المشاركين ينتقلون بسهولة من استوديو لآخر يجسدون نفس الأداور مثلما تفعل تحية كاريوكا، هى التى جسدت أدوارا متشابهة فى الفترة نفسها فى أفلام مثل «أنا ومى»، و«شاطئ الحب»، ومن الرجال هناك صلاح ذو الفقار الذى أدى دورا مشابها فى «نساء محرمات»، فى هذه الفترة كان حسن الإمام مؤمنا تماما بموهبة الشابة زيزى البدراوى فاستعان بها سبع مرات، لكنه كان يعرف أنها ليس بمقدورها أن تحمل بطولة مطلقة لفيلم واحد، فكانت دوما الممثلة الثانية معه، ومع الآخرين، وظلت على هذا المنوال طوال حياتها رغم الفرص التى أتيحت لها.

التعليقات