كلمة "الشروق"
في مواجهة التحديات والعقبات التي تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة في العمل العربي المشترك، دعت "الشروق" عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التي يجب توافرها في دولة أو ائتلاف عربي، يتولى مهام القيادة في النظام العربي ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربي الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق في دولة البحرين الدكتور علي فخرو.
وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة في سلسلة مقالات "حوار مفتوح - من يقود الأمة نحو عمل عربي مشترك؟" تعبر عن اصحابها فقط وليس عن وجهة نظر "الشروق".
أشعر بقلق عميق من تداعيات سلبية على الساعة العربية فى وقت تحيط المخاطر والتحديات بالعرب بشكل غير مسبوق فى تاريخهم الحديث. بيت العرب الجامعة العربية الرابطة الرسمية التى تجمع العرب فقدت فاعليتها ولم تعد قادرة إلا على الإدانة والشجب. الدول العربية تتقاتل داخليا وتٌسفك الدماء العربية بالأيادى العربية. الأراضى العربية مستباحة لدول الجوار والقوى الكبرى. المياه العربية تُسرق وبات العرب يتخلون عن قضايا كانت بالنسبة لهم مصيرية.
فى ظل هذه الظروف يطل بوجهه القبيح عنصر جديد لم يكن له وجود بيننا وهو الكراهية بين الشعوب، فتسببت مباراة فى كرة القدم إلى موجة عارمة من الكراهية بين الشعب المصرى والشعب الجزائرى ثم موجة من التنابذ بين المصريين والسودانيين وحملة شارك فيها نواب برلمانيون وإعلاميون وشخصيات عامة كويتية ضد الشعب المصرى وغيرها ضد الشعب الفلسطينى. رأينا فى الماضى تنابذا بين القيادات العربية مثل ما حدث بين عبدالناصر والملك حسين والملك فيصل وبورقيبة، لكن أبدا لم يمتد هذا ليعكر العلاقات بين الشعوب. ومما يزيد من خطورة التحدى مناخ دولى يسوده الكراهية للإسلام Islamophobia، الدين الغالب للعرب، فضلا عن الانقسام الطائفى الإسلامى بين السنة والشيعة وفقدان العرب لمكانتهم فى إقليم الشرق الأوسط.. وصارت القوى المهيمنة هى القوى غير العربية: إسرائيل التى باتت تلتهم ما تبقى من فلسطين وتركيا التى تلتهم أجزاء من سوريا وتتطلع إلى التهام أجزاء من العراق وإيران التى تفاخر بأنها تحكم العراق ولبنان وسوريا. أى عاقل ينظر إلى المشهد العربى يدرك حتما أهمية التضامن العربى والقومية العربية وأن المحيط العربى هو الكتلة التى يمكن أن يتعايش العرب من خلالها مع عالم الكيانات الكبيرة مثل الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى والصين والهند الذى يتجاوز تعداد كل منها البليون نسمة واليابان وروسيا. لا مجال لدولة عربية منفردة أن تعيش وسط هذه الكيانات العملاقة ولا يصح الوهم بالتحالف مع كيانات كبرى تحميها لأنها ستكون مجرد عميل يدور فى الفلك دون استقلالية للقرار حتى لو كان الحليف الوهمى إسلاميا كباكستان. لكننا للأسف نجد من يصف القومية العربية بأنها شعار أجوف... تحرير فلسطين أصبح بدوره شعارا أجوف فى وقت تقوم إسرائيل فيه بضم الضفة الغربية وتكريس القدس كعاصمة لها وإقامة الجسور مع دول النفط الغنية وتسعى للتطبيع مع الدول العربية ليس حبا فى السلام ولكن طمعا فى رءوس الأموال العربية والبترول العربى والأسواق العربية والمياه العربية بشكل يجعلها القوة المهيمنة على الشرق الأوسط وتكون دولتها من المحيط إلى الخليج بعد أن تخلت عن المطمع المتواضع من النيل إلى الفرات.
أما الشعار الأجوف الآخر الذى يطرحه البعض هو هزيمة الرجعية التى جعلت نساءنا يتخلفن عن قيادة السيارات حتى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين والامبريالية التى نسى من وصف محاربتها بالشعار الأجوف أنها كانت تجثم على الأراضى العربية حتى نهاية الستينيات من القرن الماضى وأن لديها اليوم خططا معلنة لإعادة تقسيم الأراضى العربية، بل إنها سحبت اعترافها بالعالم العربى وأطلقت عليه اسمه الجديد «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA».
الزعامات الكاريزمية والنظم المؤدلجة كما يدعوها البعض لم تكن تحارب طواحين الهواء كـ«دون كيشوت» لكنها كانت تحارب عدوا حقيقيا جاثما على صدر العرب لسنين طويلة وامتص دماءهم، وتحملوا عبء تحرير العرب وبناء قواعد صناعية واقتصادية وإعلامية وفرت الرخاء واسهمت فى تسعير البترول الدولى تسعيرا عادلا.
فى ظل البيئة الموحلة المحيطة بنا يبرز من يريد أن يزيد الطين بلة بخلق منافسة دون كيشوتية أخرى تزيد الفرقة والتنابذ بدعوى الأحق بقيادة العمل العربى وسياقة ذلك بسرد ساذج ممجوج يضخم من إمكانات طرف بشكل يكاد يكون كاريكاتيريا، ومحاولة تقزيم عطاء عملاق تحمل وبذل لسنين طوال، واستخدام ألفاظ وعبارات مثيرة للحساسية مثل الوهم بأن أصغر دولة من منطقة معينة لديها نفوذ أكبر من نفوذ أكبر دولة عربية.
المطلوب فى المرحلة القادمة، مرحلة التحديات الجسام، أن نعمل سويا من أجل بناء جبهة عربية قوية قادرة على مواجهة التحديات يدلى فيها كل طرف بخلاصة خبراته وإمكاناته، لا أن تتصارع من أجل زعامة وأن يدرك من تتيح له الظروف أن يوجه دفة الأمور فى مرحلة ما أن مكانته مسئولية وتكليف وليست تشريف ومحل مباهاة ومفاخرة فارغة، بل أنه مجرد الأول بين الانداد أو كما يقولون بالإنجليزية «The first among equals» والتعاون من أجل بناء الدولة التى نتمناها التى وصفناها يوما بأنها «دولة تحمى ولا تهدد تصون ولا تبدد تشد ازر الصديق ترد كيد العدو».