دلالات فوز ممدانى فى نيويورك - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأربعاء 5 نوفمبر 2025 10:11 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

دلالات فوز ممدانى فى نيويورك

نشر فى : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 8:05 م

ماذا يعنى الفوز الكبير الذى حققه زهران ممدانى فى بلدية نيويورك متفوقا على كل منافسيه فى مدينة ظلت حكرا على الليبراليين ومناصرى إسرائيل، بل إنها المدينة التى يعتبرها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب موطن قوته ونفوذه؟!
المعانى والدلالات والإشارات كثيرة، وهذه بعضها:

 


أولا: هذه التجربة تحسب للديمقراطية الأمريكية شديدة الحيوية التى تجعل شخصا يفوز برئاسة أهم مدينة فى البلاد، وهو لم يحصل على الجنسية الأمريكية إلا قبل ٧ سنوات، ليس ذلك فقط بل هو شخص يفخر بأنه مسلم، واشتراكى، والصفة الأخيرة شديدة الخطورة لأنها مرادف فى نظر كثيرين لكلمة «شيوعى» ذات السمعة السيئة على مسامعهم.
ثانيا: الفوز مستحق وكبير فهو حصل على ٥٠٫٤٪ من الأصوات مقابل ٤١٫٦٪ للمرشح المستقل أندروكومى، و٧٫١٪ للمرشح الجمهورى كورتس سيلوا.
وهذا يعنى أن ممدانى تفوق على كومى الرئيس الديمقراطى السابق للمدينة، وخسر أمام ممدانى فى الانتخابات التمهيدية، ومعه المرشح الجمهورى سيلوا، أى إن ممدانى تفوق على القوى التقليدية للحزبين الديمقراطى والجمهورى معا.
وهو ما يعنى أن الخريطة الانتخابية لنيويورك قد تغيرت كثيرا ومعها المزاج التقليدى للناخبين.
ثالثا: عمليا فإن ممدانى فاز أيضا على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والأخير فرّغ نفسه فى الأسابيع الأخيرة للهجوم على ممدانى بصورة غير مسبوقة، لدرجة أنه قال إنه قد يقوم بإسقاط الجنسية عنه!! وبالتالى لم يكن غريبا أن تكون كلمات ممدانى الأولى والرئيسية بعد فوزه موجهة لترامب، وترد عليه بلغة تحدٍ لا تخطئها عين، بل لغة ممزوجة بالهجوم والسخرية والتهكم مثل «يا ترامب أعلم أنك تسمعنى، ولذلك أقول لك ارفع الصوت قويا، كى تسمعنى بوضوح، واسمع جيدا ما أقوله لك، هذه المدينة التى نشأت أنت فيها سوف تهزمك».
رابعا: إسرائيل هى أحد أكبر الخاسرين فى هذه الانتخابات، لأن ممدانى كان واضحا جدا فى هجومه على السياسات الإسرائيلية طوال حملته الانتخابية.
وهو رفض بوضوح اعتبار هذه الانتقادات معاداة للسامية. ترامب استجدى اليهود فى نيويورك، وعددهم يناهز المليون ألا يصوتوا لممدانى باعتباره لا يحب إسرائيل، لكن نتيجة التصويت تظهر إما أن تأثير اليهود قد تراجع، وإما أن عدد المؤيدين للفلسطينيين بينهم قد زاد، أو أن بعض اليهود ينتقد الممارسات الإسرائيلية وصوّت لصالح ممدانى، ولم يكن غريبا أن فوز ممدانى أثار حالة من الهلع فى إسرائيل. وبعضهم اعتبر فوزه يوما أسود، ودعا العديد من المسئولين الإسرائيليين يهود نيويورك للهجرة إلى إسرائيل بعد أن «سلمت المدينة مفاتيحها إلى مؤيد لحماس»، حسب زعمهم!!!
الدعاية الإسرائيلية المضادة قالت إن نيويورك تسير بعيون مفتوحة نحو الهاوية التى سقطت فيها من قبل لندن أكبر عاصمة أوروبية حينما انتخبت مسلما من أصول هندية أيضا عمدة لها وهو صادق خان.
خامسا: فوز ممدانى يشير إلى عدم صحة اندفاع أمريكا نحو «الترامبية»، بل إن الفوز كان مصحوبا بصحوة ديمقراطية فى العديد من الولايات، فقد حقق الحزب انتصارات عديدة مثل نيوجيرسى وفيرجينيا وبتسبرج واتلانتا. وهذا الفوز يعنى أن الحزب يمكنه تعديل الكفة فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس التى ستجرى العام المقبل، علما أن الحزب تراجع كثيرا فى انتخابات نوفمبر الماضى، التى أتت أيضا بترامب رئيسا ضد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس التى حلت محل جو بايدن فى اللحظات الأخيرة، كما خسر الحزب الأغلبية فى مجلسى الكونجرس.
سادسا: من الدلالات المهممة أيضا أن المجتمع الأمريكى لا ينغلق على أى من الأفكار التى تبدو غريبة، فإذا كان قد انتخب باراك أوباما للرئاسة عام ٢٠٠٨ وهو من أصول إفريقية، فقد اختار ممدانى رئيسا لبلدية نيويورك وهو مسلم اشتراكى من أصول هندية. لكن مع ملاحظة أن معظم هذه الاختيارات لم تستطع أن تؤثر على جوهر النظام السياسى الأمريكى.
سابعا: خلافا لما يعتقده الكثيرون فإن الانتخابات النيابية عموما والمحلية خصوصا لا تتمحور حول قضايا خارجية أو إسرائيل والفلسطينيين، بل تدور فى الأساس حول قضايا محلية تهم جمهور الناخبين، خصوصا مثل التعليم والصحة والضرائب وسائر الخدمات مثل النقل والمواصلات والبيئة والزراعة والصناعة، وبالتالى فإن الناخب يصوت بالأساس لمن يعده بتحسين مستويات المعيشة.
ثامنا وأخيرا: الدلالات فى هذه الانتخابات كثيرة وتحتاج لنقاشات معمقة ودراسات هادئة لفهم هذا المجتمع شديد الحيوية والتنوع والمفاجآت، ولا ننسى ما قاله الروائى السودانى الشهير الطيب صالح: كلما اعتقدت أننى فهمت أمريكا فوجئت بأمريكا جديدة تماما مرة أخرى!!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي