وها هو السودان يلحق بقافلة الاستباحة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الأربعاء 5 نوفمبر 2025 10:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

وها هو السودان يلحق بقافلة الاستباحة

نشر فى : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 8:05 م

عندما تراصّت صفوف عشرات الملايين من نساء ورجال السودان الشقيق، وأسقطوا حكمًا دكتاتوريًا مليئًا بالأخطاء والمظالم ضدّ شعبه الأفضل والأكثر تسامحًا وتعايشًا بسلام، استبشر الملايين من إخوتهم العرب والمسلمين بأن يكون المشهد السودانى ونتائج نضال شعبه من أروع الأمثلة النضالية الجماهيرية الناجحة.
وفعلًا، نجحت تلك الثورة الشعبية بحق، لكنها بعد ذلك ارتكبت الأخطاء نفسها التى ارتكبها غيرها فى العديد من الأقطار العربية الأخرى؛ من انقسامات بين المحاربين المنتصرين، وانصياع لإغراءات ووعود الخارج الكاذبة، وانحيازات متباينة لمختلف القوى الداخلية، لا سيما الأمنية منها والعسكرية، ما أدى فى النهاية إلى فشل تلك الثورة الرائعة وعودة الحكم العسكرى والأجواء الأمنية المرعبة السابقة.

 


اليوم يصل ذلك المشهد الموجع إلى ذروة تعقيده الداخلى وسقوطه فى يد الخارج الاستعمارى والخارج العربى العابث، فى مشهد بالغ التشابه بما جرى لغزة العزيزة وشعبها من ترحيل وجوع وعطش واغتصاب للنساء ونحر للأطفال، ومستقبل ليس فى يد أهل السودان، وإنما فى يد أمريكا وشتى خدمها المطيعين من الخارج والداخل.
هذا الشعب السودانى الطيب الرقيق يقع الآن بعضه فى قبضة وجنون من وصفهم الكاتب السودانى بركة ساكن بـ«من نشأوا على القتل، ويطلقون النار لأتفه الأسباب، ومن لا أخلاق لديهم، إذ يطأ الواحد منهم أمَّه أو أخته دون حياء ودون أن يرف له جفن، وهم يُسمَّون الذين يشكلون غالبية ميليشيا الدعم السريع».
ما يوجع القلب أن هذه الميليشيا المليئة بمكوّنات وسلوكيات كل تلك الرذائل والشرور، حوّلها رسميًا دكتاتور السودان السابق منذ عام 2013 إلى قوة نظامية باسم «قوّات الدعم السريع»، وأسند قيادتها إلى الشخص نفسه الذى يقودها ويتحكم بها فى اللحظة الراهنة، والذى أصبح أغنى رجل فى السودان بفضل تهريبه للذهب السودانى وتحالفه مع الخارج الاستعمارى.
وما يوجع القلب أكثر أن هذه القوة النظامية أصبحت حليفة - لفترة قصيرة - للجيش السودانى عام 2021 من أجل إسقاط الحكومة المدنية التى جاءت بها ثورة السودان العظيمة، لينتهى الأمر بانهيار ذلك الحلف ودخول السودان فى جحيم الصراع الحالى الذى أدخل هذا الشعب الطيب فى أتون الجحيم الذى نراه الآن أمامنا، حيث يُذبح الرجال الذين ضحّوا من أجل الثورة، وتُغتصب النساء العفيفات الطاهرات اللواتى خرجن بالملايين إسنادًا للثورة.
وهكذا تضافرت الأطماع المادية والبلادات السياسية والانتهازيات المؤقتة لتصنع الخنجر وتُسلّمه بيد الميليشيا ليغرسوه فى جسد ما حققته الثورة من أهداف، وليطعنوا به شرفاء وشريفات أبطال ثورة السودان الرائعة.
كل ذلك الطعن فى الجسد والأحلام والآمال السودانية، بينما إخوانهم وأخواتهم العرب والمسلمون يقفون متفرجين، تمامًا كما فعلوا عندما وقفوا أمام مشهد غزة المريع طيلة سنتين متفرجين عاجزين.
ليس المشهد السودانى شأنًا داخليًا حتى تقف الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى موقف المتفرج العاجز. فإغراءات ثرواته الكبيرة تسيل لعاب القوى الإقليمية والاستعمارية، وتجعل كل ما يجرى على أرضه الآن جزءًا من حبكة إقليمية ودولية متشابكة مع أطماع جهات داخلية. وإذا كان من وطن عربى يستحق الإعانة باسم العروبة والإسلام، فهو القطر السودانى الشقيق. وإذا كانت الالتزامات القومية والإسلامية لا تتحرك استجابة لهكذا ظروف مأساوية موجعة، فمتى إذن ستتحرك؟ وهل وصل بنا الأمر إلى ما أرادت أمريكا وذراعها الصهيونى فى فلسطين المحتلة إيصاله إلينا عبر الخمسين سنة الماضية، وهو جعل الإنسان العربى شيئًا فشيئًا، وعلى جرعات متتالية، يكفر بروابط والتزامات العروبة والإسلام؟ ولم لا، ما دام أن المتلاعب الأمريكى ترامب هو الآمر والناهى بشأن كل أمر عربى؟
إنها أسئلة وجودية تثبت الأزمنة أنها ستبقى معنا لسنين طويلة قادمة، وستغطى كل شبر من أرض العرب المستباحة من كل من هبّ ودبّ.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات