الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» فى سياساتها - قضايا اقتصادية - بوابة الشروق
الأربعاء 5 نوفمبر 2025 10:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» فى سياساتها

نشر فى : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 8:10 م

أصبح «سلاح» الحظر النفطى خلال الأشهر الأخيرة كأنه الوسيلة الدبلوماسية الوحيدة المتوافرة لدى بعض الدول الكبرى، بالذات الولايات المتحدة، فى محاولتها معاقبة دول أخرى لاختلاف السياسات معها.

 


لقد تبنت الولايات المتحدة سياسة العقوبات النفطية عند احتلال السفارة الأمريكية فى طهران من «الحرس الثوري» الإيرانى فى بداية عقد الثمانينيات، ومن ثم فرضت عقوبات نفطية متعددة ومستمرة على إيران حتى يومنا هذا. وأضيفت عقوبات نفطية متشددة وأقسى على العراق عند غزوه الكويت فى صيف عام 1990 استمر حتى احتلال العراق فى عام 2003. وأضافت واشنطن عقوبات نفطية على فنزويلا، المتمردة على السياسة الأمريكية فى القارة اللاتينية، ناهيك بليبيا، خلال حكم القذافى.
يوصف الحظر النفطى الذى فرضته واشنطن على روسيا منذ الهجوم الروسى على أوكرانيا فى (فبراير) 2022، بأنه الأضخم من نوعه؛ إذ يشمل هذا الحصار أقطار السوق الأوروبية المشتركة التى كانت تعتمد اعتمادًا واسعًا على استيراد الغاز الروسى. كما أن الولايات المتحدة ضغطت بقوة خلال هذا الحظر على كلٍّ من الدولتين الآسيويتين الكبريين -الصين والهند- لوقف شركات التكرير الخاصة فيهما عن استيراد النفط الروسى بحسومات سعرية عالية. ومن الجدير بالذكر أن هذه المصافى الخاصة، بالذات الهندية منها، تعد المصدر الأكبر للمنتجات النفطية لدول جنوب وغرب آسيا. وقد وعد رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى، الرئيس الأمريكى ترامب، بوقف استيراد شركات التكرير الهندية النفط الروسى. وبهذا استطاعت الولايات المتحدة مؤخرًا إغلاق أسواق ضخمة للنفط الروسى الذى كان يهرب إلى أسواق آسيوية ضخمة بحسومات سعرية عالية.
شملت العقوبات الأمريكية ثلاث شركات روسية عملاقة، ونحو 28 فرعًا لشركة «روسنفت»، وستة أفرع لشركة «لوك أويل». ومن المعروف أن الشركات الثلاث تمثل عماد الشركات النفطية الروسية التى تتعامل فى الأسواق الدولية. وقد جرى نوع من «الكر والفر» ما بين هذه الشركات الثلاث والمحاولات الأمريكية لمراقبة صادرات هذه الشركات خلال السنوات الأخيرة. فقد غيَّرت الشركات الروسية صادراتها من ناقلة إلى أخرى فى مياه البحار الدولية، مستعملةً لهذا الغرض ناقلات روسية قديمة مهترئة، ومن ثم دون اهتمام روسى يُذكر بالعقوبات الأمريكية المفروضة على الناقلات «المهترئة»، واستطاعت من جانبها شركات المصافى الهندية والصينية، تحقيق أرباح عالية جدًا تفوق ما هو ممكن تحقيقه، وذلك بسبب الحسومات السعرية التى حصلت عليها الشركات الآسيوية من الشركات الروسية.
لكن، كما هو معتاد، فى حالات ضغوط العقوبات التى تُفرض على الصناعة النفطية، فقد لجأت شركات روسية، بالذات شركة «نوفاتيك» حديثة العهد نسبيًا، إلى فتح خطوط صناعية جديدة. إذ بادرت «نوفاتيك» بتصدير الغاز المسال من المشروع القطبى للغاز المسال - 2، وبالذات إلى الصين، حيث يجرى تصدير الغاز المسال فى ناقلات متخصصة إلى موانئ صينية (بالذات ميناء «بيهال» الذى تم تجهيزه خصيصًا لتسلم الغاز الروسى القطبى رغم الحظر الأمريكى). لكن رغم نجاح استمرار الصادرات الغازيّة الروسية إلى الصين، حتى الآن، فإن السؤال المطروح: هل ستستمر هذه الصادرات للغاز المسال الروسى فى عام 2026، لا سيما أن الولايات المتحدة كانت تصدِّر الغاز المسال إلى الأسواق الصينية حتى فترة قريبة، لكنها توقفت عن ذلك نظرًا إلى توقف الشركات الصينية عن شرائه؟ ولربما السؤال الأهم هو: هل ستضغط الولايات المتحدة فى مفاوضاتها التجارية المقبلة مع الصين لوقف شراء الغاز المسال الروسى واستبدال الغاز المسال الأمريكى به؟
لقد فُتحت جبهة تنافس وصراع جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، تتمثل فى إمكانية استمرار توسع صناعة الغاز المسال الروسية من القطب الشمالى إلى الصين وأسواق عالمية أخرى. هذا فى الوقت الذى تواجه فيه الصادرات الغازية الروسية فى الأنابيب إلى الأسواق الأوروبية حواجز عدة تتمثل فى العقوبات الأمريكية وتوتر العلاقات الأوروبية - الروسية.
يتمثل هذا التغير فى ضغوط محتملة على صناعة الغاز الروسية، التى تشكل مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة لموسكو، كما أن تصدير الغاز الطبيعى الروسى فى الأنابيب أكثر تيسيرًا للبلاد من توسيع صناعة الغاز المسال حديثة العهد، والتى من الصعب زيادة حجمها لمساواة حجم الصادرات الغازية فى الأنابيب إلى الأسواق الأوروبية. لقد تم التفاوض والتشييد لشبكة تصدير الغاز الروسى إلى أوروبا قبل أن يتوافر للولايات المتحدة إمكانية تصدير الغاز، الذى بدأت إمكانية تصديره تتوفر مع الإنتاج الضخم والباهر للبترول الصخرى فى عام 2014.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تجد روسيا الآن أن أهم شبكة لها لتصدير الغاز بالأنابيب إلى أوروبا مهدَّدة بالتوقف إلى وقت غير محدود، لأسباب جيوسياسية، وبالذات المخاوف الأوروبية المتزايدة من احتمال هجوم روسى آخر على بلد أوروبى محاذٍ للحدود الروسية، بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية لتغيير ميزان مدفوعاتها مع أقطار السوق الأوروبية المشتركة لصالحها، والطريق الأسهل لتحقيق ذلك هو التركيز على تصدير الغاز المسال إلى أوروبا.
يجرى هذا الآن، وفى الوقت الذى تعمل فيه شركة «نوفاتك» الروسية على توسيع طاقتها التصديرية من مشروعها القطبى للغاز المسال - 2، والتصدير إلى الصين بالذات، مع الأخذ بنظر الاعتبار إمكانات الصين الضخمة لاستيراد إمدادات غاز أكثر لاستبداله بإنتاجها المحلى من الفحم الحجرى الملوث.

 


وليد خدورى
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

قضايا اقتصادية القضايا الاقتصادية العالمية والدولية والمحلية
التعليقات