«دبلوماسية الطاقة» التركية حيال سوريا - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 2:08 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«دبلوماسية الطاقة» التركية حيال سوريا

نشر فى : الإثنين 6 يناير 2025 - 4:55 م | آخر تحديث : الإثنين 6 يناير 2025 - 4:55 م

أما وقد أضحت «دبلوماسية الطاقة» تشكل أحد دعائم القوة الناعمة لتركيا، وأداة فاعلة من أدوات سياستها الخارجية؛ غدت مساعى أنقرة لتعزيز نفوذها فى سوريا ما بعد الأسد، تتلاقى مع تطلعات الرئيس أردوغان لترسيخ مكانة بلاده كمركز استراتيجى للطاقة. معتمدة فى ذلك على بنية أساسية طاقوية تتمثل فى: سبعة خطوط أنابيب لنقل الغاز، خمس محطات لتسييل الغاز الطبيعى، ثلاث وحدات تخزين عائمة، منشأتين للتخزين تحت الأرض، فضلا عن قدرة هائلة على الاستيراد والتسويق.

على محاور شتى، تنطوى «دبلوماسية الطاقة» التركية إزاء سوريا الجديدة. ففى الصدارة، يأتى تزويدها بالكهرباء. فعلى وقع الحرب، الفساد وسوء الإدارة، ناهزت قيمة الأضرار، التى لحقت بالمنظومة الكهربائية السورية، 120 مليار دولار. كما تقلصت قدرة الطاقة الكهربائية المركبة من 8500 ميجاواط، إلى نحو 3500. ما رفع ساعات التقنين إلى 15 ساعة فى معظم المدن، بما فيها دمشق. فيما اضطر الغالبية العظمى من المواطنين إلى توفير احتياجاتهم من الكهرباء عبر المولدات. وبينما تعكف تركيا منذ عام 2020 على تزويد مناطق سورية بمحافظة إدلب بالكهرباء، تستشعر أنقرة اليوم حاجة سوريا الملحة لإعادة هيكلة البنية التحتية للطاقة؛ والإمداد الفورى بالكهرباء، الغاز والنفط، من خلال الاستيراد على المدى القريب، ثم زيادة القدرة الإنتاجية فى الأمد المتوسط. وقد دشنت وزارة النقل التركية برنامج إعادة تأهيل خط «بيرجيك - حلب»، لتزويد سوريا بقرابة 300 ميجاواط من الكهرباء التركية. بموازاة إصلاح الأعطال، إتاحة التكنولوجيا المتطورة ومستلزمات التحويل والنقل، صيانة وتشغيل شبكات الكهرباء.

•  •  •

ثانيا: استنهاض قطاع الطاقة السورى. حيث تعد سوريا الدولة الوحيدة المنتجة للنفط من بين دول شرق البحر الأبيض المتوسط الأربع، إذ تقدر احتياطياتها النفطية المؤكدة بنحو سبعة مليارات برميل. وتتطلع الشركات العالمية إلى رفع العقوبات، لمباشرة مهام التنقيب، الاستكشاف والاستخراج، عن النفط، الغاز والثروة المعدنية فى نصف أراضى سوريا، التى لم تشهد مسبقا عمليات من هذا القبيل. وترتهن عودة قطاع الطاقة السورى إلى العمل بكامل طاقته، بمدى دعم المجتمع الدولى، رفع العقوبات الاقتصادية، استقرار الوضع الأمنى، وبناء نظام ديمقراطى، يتمتع بكامل الصلاحيات الدستورية، ويحظى باعتراف دولى.

تبرر تركيا مساعيها لتنشيط قطاع الطاقة السورى، بنيتها توجيه العوائد المتوقعة لمشاريع إعادة الإعمار، التى تتكلف 400 مليار دولار، وتطوير البنية التحتية للطاقة. وتأمل تركيا إنشاء خط أنابيب للغاز يمتد إلى الغرب عبر سوريا، اتصالا بخط أنابيب الغاز العربى. بما يقدم لمنتجى الغاز الإقليميين ممرا لوجيستيا ناجزا إلى الأسواق الأوروبية. وعقب سقوط الأسد، تجدد الحديث عن إحياء أنبوب تصدير النفط العراقى - السورى، المعروف باسم «خط أنابيب كركوك - بانياس»، ليكون شريانا اقتصاديا حيويا لبغداد ودمشق. حيث ييسر إيصال نفط العراق إلى أوروبا، يسهم فى تأمين الطاقة لسوريا، ينعش حركة الملاحة البحرية، وينشط الحركة الاقتصادية عبر الموانئ السورية.

تتوق أنقرة إلى أن يتيح التعاون طويل الأمد، إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز من سوريا إلى موانئ التصدير التركية. ومن شأن إنشاء طريق برى عبر سوريا يمتد إلى البنية التحتية الحالية فى تركيا، أن يوفر بديلاً لوجيستيا أسرع، أقل كلفة، وأكثر فعالية. إضافة لذلك، سيسمح الاستقرار فى سوريا بإحياء مشروع خط الأنابيب الذى ظل مهمشا، لفترة طويلة؛ ويهدف لربط حقول الغاز الطبيعى القطرية بتركيا عبر السعودية، الأردن وسوريا. ذلكم الذى رفضه نظام الأسد لحماية صادرات الغاز الروسية إلى الأسواق الأوروبية. وبمجرد سقوطه؛ أعادت أنقرة طرح المشروع.

•  •  •

ثالثا: ترسيم الحدود البحرية: لم تدخر تركيا وسعا فى استثمار علاقاتها الوثيقة مع الإدارة الانتقالية السورية لتوقيع اتفاقات اقتصادية، سياسية وأمنية، تؤمن مصالحها فى الجارة الجنوبية والمنطقة ككل. حيث أعلنت أنقرة اعتزامها ترسيم حدودها البحرية مع سوريا فى البحر المتوسط، بعد تشكيل حكومة دائمة فى دمشق. بما يسمح للبلدين بتحديد مساحات نفوذهما، للتنقيب عن الهيدروكربونات. ويبدو أن أنقرة تتعجل اتفاقا على غرار ذلك الذى أبرمته مع حكومة الوفاق الليبية، عام 2019. وبينما لم يحظ الأخير باعتراف دولى، تتوق تركيا إلى أن تكون الحكومة السورية الحالية أكثر استعدادا للاعتراف بمطالبات المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين لأنقرة وقبرص التركية بشرق المتوسط، يما يعزز موقفهما فى نزاعهما مع اليونان وقبرص اليونانية. الأمر الذى من شأنه، تعظيم مغانم أنقرة الطاقوية، وتوسيع حضورها الاستراتيجى بمنطقة شرق البحر المتوسط.

فى أول رد سورى رسمى، أكد وزير النقل فى الحكومة الانتقالية المؤقتة، أن ترسيم الحدود ليس من اختصاصها، كونها لا تتمتع بالشرعية الكافية لإبرام معاهدات نهائية بشأن قضايا استراتيجية. وعلاوة على تأخرها، خلال الـ14 عاما الماضية، عن مباشرة المسوحات البحرية المتعلقة بالنفط والغاز فى مياهها الإقليمية، لم توقع سوريا على معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، كما رفضت ترسيم حدودها مع لبنان.

•  •  •

رابعا: الاستثمار فى الطاقة المتجددة: ترى أنقرة فى إعطاء الأولوية للطاقة المستدامة على حساب الوقود الأحفورى، سبيلا أمثل، يخولها تحويل مزيتها الاستراتيجية المؤقتة؛ إلى نفوذ إقليمى مزمن. لذا، تهتم بإعادة هيكلة نظام الطاقة الإقليمى، بالتعاون مع سوريا، التى تتمتع بإمكانات هائلة لإنتاج الطاقة الشمسية، بسبب موقعها ومناخها اللذين يمنحانها 300 يوم مشمس فى السنة. فيما تقدر إمكانات طاقة الرياح بنحو 80 ألف ميجاواط. ومن شأن هذه البنية الأساسية، أن تساعد على إدارة تقلبات الطاقة المتجددة، وجعل تركيا مرساة شمالية لنظام طاقة إقليمى فعال.

•  •  •

تصطدم «دبلوماسية الطاقة» التركية إزاء سوريا بتحديات جيوسياسية، لا يستهان بها. فرغم فرصها الواعدة، تكابد بنية الطاقة السورية والإقليمية منغصات جمة. فإلى جانب الحاجة إلى سلطة منتخبة ومعترف بها دوليا؛ تبرز احتمالات انكماش الطلب الأوروبى على الغاز بعد العام 2030. فيما تنحسر شهية الجهات التمويلية الدولية للاستثمار فى الوقود الأحفورى. ما يفرض على تركيا المفاضلة ما بين مطاردة طموحاتها العريضة بمجال الطاقة التقليدية، الآخذة فى الأفول؛ أو تعظيم رهاناتها على طغيان زمن الطاقة النظيفة.

جيوسياسيا، برأسها تطل معضلة التعاطى مع «قسد»، التى تهيمن على ثروات الطاقة السورية، بالتنسيق مع واشنطن وتل أبيب. وبالتزامن، تتفاقم احتمالات الصدام التركى بالأطماع الدولية فى تلك الثروات. فإبان ولايته الأولى، أناط الرئيس ترامب بشركة «إكسون موبيل»، تشغيل وإدارة حقول النفط والغاز السورية وسنة 2019، كلف قوات أمريكية بحماية حقول النفط بمحافظة دير الزور. وبجريرة وفرتهما، جودتهما وانخفاض كلفة استخراجهما، أسال النفط والغاز السوريان لعاب الحليف الروسى. وتوخيا منه لمكافأة الرئيس بوتين على حمايته من السقوط منح الأسد شركات طاقة روسية امتيازات الاستكشاف، الحفر والتنقيب قبالة سواحل غرب سورية. كما أبرم اتفاقا مع شركات أمنية روسية، كانت تحارب مع جيشه، يمنحها 25% من عائدات حقول النفط والغاز، التى تحررها من قبضة تنظيم داعش.

تتآلف رغبات اليونان، قبرص وإسرائيل، لحرمان تركيا من تعزيز سلاحها الجيوسياسى لمفاقمة نفوذها فى شرق المتوسط؛ عبر إفشال مخطط أنقرة لإبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الانتقالية السورية. فمن جانبهما، تشترط كل من قبرص واليونان، ضرورة استناد هكذا اتفاق، على القانون الدولى العرفى للبحار، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982؛ والتى لم تصادق عليها كل من تركيا وسوريا. ولفتت الدولتان إلى تنسيقهما التام مع الاتحاد الأوروبى لإجهاض أية تحركات تركية غير قانونية بهذا الصدد. وبينما تتصادم بعض المآرب الطاقوية لتركيا وإسرائيل؛ تخشى الأخيرة من إقدام أنقرة على إجهاض مشروع خط أنابيب الغاز، الذى يربط إسرائيل بقبرص واليونان، متجاهلا تركيا.

كما تتخوف تل أبيب من أن تفضى «دبلوماسية الطاقة» التركية إلى تعظيم نفوذ  أنقرة بالمنطقة؛ وعرقلة مساعى إسرائيل للهيمنة الإقليمية. حيث يرتاب الإسرائيليون من تطلعات تركيا لملأ الفراغ الاستراتيجى، الناجم عن انحسار الحضور الروسى والإيرانى فى سوريا. بما يمهد لتشكيل «محور سنى»، بقيادة تركيا، يغدو بديلا «للمحور الشيعى» الإيرانى المتهاوى.

 

التعليقات