نصري سلهب.. والإمام على بن أبى طالب - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:42 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نصري سلهب.. والإمام على بن أبى طالب

نشر فى : الجمعة 7 يناير 2022 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 7 يناير 2022 - 9:15 م
كان بإمكان المفكر والأديب والدبلوماسى المسيحى المارونى اللبنانى نصري سلهب أن يكتفى بما كتبه وأبدعه فى عام 1970 عن السيد المسيح فى كتابه الرائع «فى خطى المسيح» ليتقيد بحدود ديانته المسيحية دون أن يكتب عن محمد «عليهما السلام» ولكن إنصافه وعدله أبيا إلا أن يكتب فى العام الذى يليه رائعته الثانية «فى خطى محمد».
وكان يمكنه الاكتفاء بالكتابين حيث تحدث فيهما عن أعظم قمم البشرية والرسالة، ولكن محبته للإمام على وولعه به ألحا عليه أن يكتب «فى خطى على» حتى تشعر كأنه عاش بوجدانه وعاطفته مع هذا الإمام العظيم حتى قال عنه «دعنى وأنا المسيحى أقل لك أنت فى خاطرى ووجدانى شعاع يضىء طريقى أنت فى ضمير الزمن تعيش، وستبقى أبا للشهداء وأميرا للمؤمنين»، وكأن الإمام على أمامه يحدثه مباشرة.
وفى الحقيقة أننى قرأت عن كثير من المفكرين المسلمين والمسيحيين فلم أقرأ أو أسمع فى حياتى من كتب عن محمد والمسيح وعلى بن أبى طالب بمثل هذه المشاعر الرائعة والقلب الفياض بالحب الكبير.
كلمات «نصرى سلهب» تخرجنى من الأرض وهمومها إلى فضاء رحب من الحب والرحمة والإنسانية.
نصرى سلهب نموذج فذ من النادر أن يتكرر، تأمله وهو يخاطب الإمام على قائلا «دعنى وأنا سائر فى خطاك أقل لك القول الصريح النابع من قلب جريح: أنا من بلاد الأجراس الحزينة والمآذن الصامتة، أنا من بلاد الكنائس الثكلى والمساجد المنطوية على الجراح، أنا من بلاد الكرامات المذبوحة تئن وتهمس فى مسمع التاريخ همسات خافتات أتيتك وأنا سائر فى خطاك أستمد منك قبسا يشعل فىّ زيت الكبرياء لعلى على نفسى أثور، وعلى ذاتى أنتصر».
والحمد لله أنه مات قبل أن يرى تفجير ميناء بيروت ويرى تمزق وطنه الحبيب، وتمزق أوطان العرب وشيوع الفتن فيها.
لقد توفى الرائع سلهب عام 2008 بعد حياة حافلة ألف فيها عشرات الكتب وتضيق مساحة المقال عن عرض كل كتبه مكتفين بعرض بعض كلماته عن الرسول والإسلام.
كان يردد «ليس كالإسلام دين يكرم الأنبياء والرسل الذين سبقوا النبى العربى، وهو يفرض على المؤمنين به إكرام هؤلاء والإيمان بهم، وليس كالإسلام يحترم الأديان الأخرى المنزلة الموحى بها التى سبقته فى النزول والوحى».
ويقول: «الإسلام ليس بحاجة إلى قلمنا، مهما بلغ قلمنا من البلاغة، ولكن قلمنا بحاجة إلى الإسلام وإلى ما ينطوى عليه من ثروة روحية وأخلاقية، وإلى قرآنه الرائع الذى بوسعنا أن نتعلم منه».
وكتب «بين الإسلام ومن يجهلونه هوة سأسعى فى كتابى هذا «فى خطى محمد» إلى ملئها بالورود والرياحين لتغدو مساحة لقاء وحقل تلاق، بل مكانا لعبادة الله والتسبيح بحمده ورفع الصلوات إليه ولا أدعى القدرة على الإحاطة بالإسلام عمقا وصعدا.
إن كتابا بمثل هذا الحجم لعاجز عن أن يحتوى قبسا ضئيلا من ذاك النور المشع، ويقول: «إن الآية التى استطيب ذكرها هى التى تنبع سماحة إذ تقول «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»، إنها لعبارات يجدر بنا جميعا مسلمين ومسيحيين أن نرددها كل يوم، فهى حجر الأساس فى بناء نريده أن يتعالى حتى السماء، لأنه البناء الذى فيه نلتقى والذى فيه نلقى الله، فحيث تكون المحبة يكون الله».
ويقول «والقرآن يذكر صراحة أن الكتب المنزلة واحدة وأصلها عند الله واحد.
وكان يردد «لم يقدر لأى سفر «كتاب» قبل الطباعة أيا كان نوعه وأهميته أن يحظى بما حظى به القرآن من عناية واهتمام، وأن يتوفر له ما توفر للقرآن من وسائل حفظه من الضياع والتحريف».
ويقول «الإسلام صالح لكل الأزمنة وجميع الشعوب، فهو ليس للمسلمين فحسب».
ويقول «فى الدين الإسلامى من الشمول والرحابة ما يجعله يفتح ذراعيه لجميع البشر دون أن يؤثر فى قوميتهم وولائهم للأمة التى ينتسبون إليها أو الدين الذى يعتنقونه».
ويقول عن الرسول «ص» «هنا عظمة محمد الذى استطاع خلال تلك الحقبة القصيرة من الزمن أن يحدث شريعة خلقية وروحية واجتماعية لم يستطعها أحد فى التاريخ بمثل هذه السرعة المذهلة».
«هذا الرجل ما عرف الهدوء والراحة والاستقرار، فقد استطاع وسط ذلك الخضم الهائج أن يرسى قواعد دولة، وأن يشرع قوانين ويسن أنظمة ويجود بالتفسير والاجتهادات، ولم ينسَ فى الوقت نفسه أنه أب وجد لأولاد وأحفاد فلم يحرمهم عطفه وحنانه فكان بشخصيته الفذة الغنية بالقيم والمعطيات المتعددة الأبعاد والجوانب الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم وصفات عالما قائما بنفسه».
ويتحدث عن ميراث النبوة عند محمد «ص» «وتراثك ينبغى أن يحيا لا فى النفوس والقلوب فحسب بل فى واقع الحياة، تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس، كل مشكلة مهما استعصت وتعقدت نجد لها فى آثارك حلا».
إننى أرجو أن تطبع كتب سلهب فى مصر وتوزع على أكبر نطاق.
رحم الله العلامة والمفكر والدبلوماسى نصرى سهلب وجزاه عن الدين والإنسانية والفكر الرصين الصحيح خيرا.
التعليقات