تشهد بدايات العام الجديد تقديم مراكز الأبحاث الكبرى فى العاصمة الأمريكية تصوراتها بخصوص أهم القضايا التى على واشنطن مواجهتها فى العام الجديد، وتقترح على الرئيس الأمريكى طرقا للتعامل معها. وعرض الأستاذ جميل مطر الأسبوع الماضى رسالة مهمة من الخبيرة بمعهد بروكينجز سوزان مالونى إلى الرئيس أوباما بخصوص إيران.
وفيما يخص الشأن المصرى، فقد خرجت مذكرة أيضا من نفس المعهد موجهة للرئيس أوباما فى صورة مختصرة وافية تتعلق بكيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين فى ظل التطورات التى شهدتها وتشهدها مصر، واحتمالات تحولها لجماعة راديكالية تلجأ للعنف.
•••
وترى المذكرة التى كتبها كل من تمارا ويتس ودانيال بايمان أن مستقبل جماعة الإخوان المسلمين على المحك، وطالبا بضرورة العمل على منعها من التحول لجماعة راديكالية تلجأ للإرهاب الذى قد يتخطى الحدود المصرية ويهدد مصالح واشنطن فى الشرق الأوسط كله. وترى المذكرة التى جاءت فى ثلاث صفحات أن لواشنطن مصلحة حقيقية فى استقرار مصر. إلا أن الانقلاب العسكرى ضد الرئيس محمد مرسى، وما أعقب ذلك من ملاحقة قادة جماعة الإخوان المسلمين وسجن الرئيس مرسى نفسه أدى لزيادة الاحتقان وعدم الاستقرار فى مصر. كما رأت أن استمرار سياسة إقصاء جماعة الإخوان من العمل السياسى قد يدفع بعض أعضائها لرفض البدائل السلمية واللجوء للإرهاب، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا لمصالح واشنطن داخل وخارج مصر.
وتؤكد المذكرة أن الولايات المتحدة لا تستطيع منع لجوء بعض أعضاء جماعة الإخوان لأساليب راديكالية، إلا أنها تستطيع تقليل مخاطر تأثير تبعات هذا التحول إن حدث على المصالح الأمنية الأمريكية من خلال إضعاف امكانيات وقدرات الراديكالية الإسلامية الجديدة.
ونبهت المذكرة على الرئيس أوباما بضرورة ألا يطلب إطلاق سراح الرئيس محمد مرسى من النظام الجديد فى مصر، فقط عليه المطالبة بضمان محاكمة عادلة. كما نادت المذكرة بضرورة المطالبة بمحاكمات عادلة لمن فقط ارتكب أعمال عنف بشرط وجود دليل قاطع على قيام قادة جماعة الاخوان المقبوض عليهم بها، والافراج عمن لم يقم بأعمال عنف. كما نادت المذكرة بضرورة تشجيع الحكومة المصرية على التصالح مع رموز جماعة الإخوان ممن يتطلعون لحل أزمة علاقة الجماعة بالسلطة والدولة فى مصر.
•••
عرضت المذكرة لخلفية وصول الأوضاع السياسية فى مصر إلى ما وصلت إليه اليوم. وتطرقت لما شهدته مصر من انخفاض شعبية الإخوان فى الحكم قبل الثلاثين من يونيو الماضى، وما تبع ذلك من مظاهرات مليونية، وتدخل الجيش والاطاحة بالرئيس محمد مرسى. وذكر الكاتبان الرئيس أوباما أن قراره يوم التاسع من أكتوبر بوقف شحن بعض الأسلحة للجيش المصرى لم يغير أى واقع على الأرض، وأن تأثير المساعدات الأمريكية ضعيف للغاية. وعرضت المذكرة لما وصفته بتصميم الجيش المصرى على القضاء الكامل على جماعة الإخوان المسلمين، وما تشهده مصر من تصاعد مخيف لأعمال العنف. وأكدت المذكرة أن جماعة الإخوان لم تطلب من أعضائها حمل السلاح واستخدام القوة بعد، إلا أنها أشارت إلى أن هناك ضغوطا متزايدة فى هذا الاتجاه من جانب شباب الجماعة يدعمها انتهاكات الحكومة ضدهم وضد كبار قادة الجماعة.
•••
اقترحت المذكرة خمس خطوات من شأنها تخفيض مخاطر راديكالية جماعة الإخوان المسلمين. أولا: أن يؤكد المسئولون الأمريكيون لنظرائهم المصريين أن واشنطن ترى أن تحول جماعة الإخوان للراديكالية ليس حتميا. ولتقليل هذا الاحتمال على القاهرة أن تسمح لبعض قيادات الإخوان المسلمين وغيرهم من الاسلاميين ممن لم يرتكب أعمال عنف بدور فى الحياة السياسية والاجتماعية المصرية. وحتى مع استمرار حظر الجماعة قانونيا، سيمثل وجود تنظيمات سياسية غير سلفية وسيلة مقبولة لأعضاء من جماعة الإخوان كوسيلة شرعية للتعبير عن رؤيتهم بما يقلل من جاذبية التحول للراديكالية. ثانيا: على الادارة الأمريكية أن تؤكد للجيش المصرى دعمها لأى عمليات محددة يقوم بها ضد الراديكاليين ممن يستهدفون مصالح أمريكية مباشرة مثل أمن إسرائيل. إلا أن على واشنطن تأكيد أنها لا ترى كل الإسلاميين كإرهابيين. وحاليا لا ينبغى أن تعد واشنطن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. وعلى واشنطن تكرار دعمها لجهود مكافحة الارهاب، وفى الوقت نفسه التأكيد على ضرورة احترام حقوق الانسان وسيادة القانون. ثالثا: على الادارة الامريكية الاستمرار فى التعامل مع كل القوى والرموز الاسلامية ممن لم يرتكبوا أعمال عنف بمن فيهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين داخل مصر وخارجها. وعلى الإدارة الأمريكية الضغط عليهم كى يتمسكوا بالبدائل السلمية وعلى التأكيد أن واشنطن تدعم المبادئ الديمقراطية. وعلى واشنطن أن تدين بشدة كل من يدعو للعنف ويشجع عليه. رابعا: رغم خوف حلفاء واشنطن مثل المملكة السعودية والامارات العربية المتحدة من ديمقراطية تأتى بالإخوان للحكم، على واشنطن أن تقنعهم بأن تحول الجماعة للإرهاب والراديكالية ليس من مصلحتهم. لذا على واشنطن أن تقنع هذه الأنظمة بمخاطر دعمهم لسياسة الاستبعاد الكامل للجماعة بهدف القضاء على الإخوان المسلمين. خامسا: على المخابرات الأمريكية أن تضع على رأس أولوياتها جمع معلومات عن الإسلاميين المصريين بصفة عامة، والتركيز على أى علاقة قد توجد بين أى من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الفلسطينية. وعلى المخابرات الأمريكية العمل عن قرب مع نظيرتها الإسرائيلية فى جمع المعلومات وتحليلها ومقارنة النتائج، وعليهما أيضا فحص المعلومات التى تصل إليهم من المخابرات المصرية.
وتختم المذكرة بالتأكيد على أن الوضع السياسى فى مصر يتمتع بغياب اليقين، وان الفوضى التى تشهدها مصر جعلت سياسات واشنطن تتعلق بردود الأفعال وغياب المبادرة. وهكذا يتأكد لنا مرة أخرى ضعف التأثير الأمريكى فى الداخل المصرى من خلال اضطرار الإدارة الأمريكية للتعامل مع الواقع المصرى الجديد بغض النظر عن هوية ساكن قصر الاتحادية سواء كان اسمه حسنى مبارك، أو محمد مرسى، أو عبدالفتاح السيسى.
للتواصل مع الكاتب عبر «حساب تويتر» أو من خلال البريد الإلكتروني «Mensh70@gmail.com»