نشر الموقع الأمريكى project syndicate مقالا للكاتب «مارك ليونارد». ويتناول قرار الحزب الشيوعى الصينى الأخير بتعديل الدستور الذى يسمح للرئيس الصينى بالبقاء رئيسا مدى الحياة، فضلا عن عرض وجهات النظر المختلفة للسياسيين والاقتصاديين وخبراء التكنولوجيا والقانونيين حول هذا القرار، فالبعض يرى أن نموذج القيادة الجماعية التى شكلها الحزب الشيوعى الصينى بعد عام 1979 يُعد من أكبر نجاحاته، فى حين يرى البعض الآخر أن ذلك النموذج سمح لانتشار الفساد والمحسوبية فى الحزب.
يتحدث الكاتب فى البداية عن أن قرار الحزب الشيوعى الصينى الذى ينص على «إلغاء الحد الأقصى الذى حدده الدستور للرئاسة بولايتين» سوف يفسح المجال أمام شى جينبينغ بأن يكون رئيسا لمدى الحياة. كما زاد من حدة الجدل الدائر حاليا بين خبراء الصين حول احتمال أن تشكل سلطة تنفيذية قوية أكثر من اللازم مما يمثل تهديدا كبيرا للصين.
يختلف الجواب على هذا السؤال إلى حد كبير فى أوساط علماء السياسة والاقتصاد وخبراء التكنولوجيا. فالعديد من علماء السياسة وعلماء القانون، على سبيل المثال، يختلفون بشأن رؤيتهم لهذا التغيير؛ لأنهم يعتبرون أن نموذج القيادة الجماعية التى شكلها الحزب الشيوعى الصينى بعد عام 1979 يُعد من أكبر نجاحاته. وقد وفر الحد الأقصى فى هذا النموذج، والنظام الجماعى لصنع القرار على مستوى رفيع، وفر الضمانات اللازمة لمنع تكرار الكوارث التى حدثت فى عهد ماو مثل القفزة الكبرى إلى الأمام والثورة الثقافية.
والواقع أن الانفتاح الذى أعقب عام 1979 سمح فى كثير من الأحيان بمعركة حقيقية للأفكار، ولاسيما بين رابطة الشباب الشيوعى المحافظ والنخب الساحلية التى تفضل المزيد من التحرير الاقتصادى. وقد تظل الصين مجتمعا منغلقا من نواحٍ كثيرة، ولكن كبار صناع القرار لديهم استعداد منفتح للتجربة والتعلم من خلال التجربة والخطأ.
***
وفى الوقت نفسه، يشعر العديد من الاقتصاديين بقلق أقل بشأن السلطة التنفيذية المفرطة، لأنهم يعتقدون أنه من الأخطر أن تكون هناك حكومة ضعيفة جدا لا تستطيع إصلاح النموذج الاقتصادى للبلد عند الحاجة. ومن بين التحديات الاقتصادية الحالية للحكومة تباطؤ النمو، وتصاعد الديون ــ خاصة بين الشركات المملوكة للدولة ــ والمصالح الراسخة التى تقف فى طريق الإصلاحات الهيكلية.
ويعترف معظم الاقتصاديين بأن نموذج القيادة الجماعية قد حال دون وقوع الكوارث. لكنهم سيجادلون بأن ذلك قد أعاق الإصلاح أيضا، وسمح للحزب الشيوعى الصينى بأن يصبح حزبا ينخره الفساد والمحسوبية، ومجردا من الأهداف الإيديولوجية.
وفى نهاية رئاسة «هو جينتاو» التى استمرت لفترتين رئاسيتين فى عام 2013، خشى الكثيرون من أن نموذج القيادة الجماعية لم يكن كافيا لمواجهة المصالح الاقتصادية المكتسبة، ومعالجة عدم المساواة، وتقديم الخدمات العامة الأساسية. وفى الواقع، فى وقت مبكر من عام 2007، توصل رئيس مجلس الدولة الصينى «هو جينتاو» إلى أن المسار الاقتصادى للصين «غير مستقر وغير متوازن وغير منسق وغير مستدام».
وعلى النقيض من ذلك، يجادل الاقتصاديون بأن شى بدأ فى تحويل الأمور من خلال المعركة من أجل «حزب أنظف». وسجنت حملته الضخمة لمكافحة الفساد الآلاف من مسئولى الحزب على جميع المستويات، وأعادت تأسيس ركائز الحزب الشيوعى الصينى. ويعترف الاقتصاديون بأن حملة شى قد أزاحت أيضا العديد من منافسيه المحتملين. لكنهم سيجادلون بأن موقفه المعزز يسمح له الآن باستبدال نموذج النمو القائم على الديون الممولة من الائتمان بشىء أكثر استدامة.
وبطبيعة الحال، المستقبل هو من سيبين ما إذا كانوا على حق. على الرغم من نجاح شى فى توطيد سلطته وتمديد قبضته على السلطة إلى أجل غير مسمى، هناك سبب للشك فى أنه سيكون على استعداد ليخاطر بنموذج اقتصادى جديد إذا ثبت أن الاستدامة تتنافى مع الحفاظ على النمو السريع.
أما خبراء التكنولوجيا فيقدمون طرقا جديدة لتصحيح أو تجنب الأخطاء المحتملة. بالإضافة إلى استبدال نموذج القيادة الجماعية بنهج يتمحور حول شخصية القائد الأعلى، حيث قام الرئيس شى بتوطيد دولة المراقبة بشكل كبير، بدأت الحكومة تستخدم بشكل متزايد القنوات الفضائية والبيانات الكبرى، والذكاء الاصطناعى لدراسة سلوك المواطنين الصينيين، آمالهم، ومخاوفهم، ووجوههم، بحيث يمكنها التصدى للمعارضة وللتحديات لسلطتها.
***
وعلاوة على ذلك، أنشأت الحكومة، تحت حكم الرئيس شى، قواعد بيانات «الائتمان الاجتماعى» على الإنترنت، مما يشير إلى أنه يمكن فى نهاية المطاف تسجيل علامة واحدة لجميع المواطنين الصينيين، تشمل التصنيفات الائتمانية والسلوكيات على شبكة الإنترنت والسجلات الصحية والتعبيرات عن الولاء للحزب وغير ذلك من المعلومات.
تكمن أهمية ديكتاتورية البيانات الكبيرة فى كونها تعتمد أقل على التهديدات المباشرة والعقاب العام، وأكثر على التأثير على وجهات نظر الناس وسلوكياتهم. وكل وقت يقضيه المواطنون الصينيون على شبكة الإنترنت، تستغله الحكومة للتحكم فى ما يرونه ويفعلونه على النت.
كما أن التقنيات الرقمية ستسمح للحكومة بالاستجابة بسرعة أكبر للاستياء العام، أو التخلص منه تماما إذا تمكنت من التعرف على التغيرات فى الرأى العام أو التنبؤ بها. وبالنظر إلى أن العديد من الديكتاتوريات تنهار نتيجة لسوء المعلومات، يمكن أن تصبح التكنولوجيات الرقمية أكثر وقائية ضد اتخاذ القرارات السيئة، أفضل من الحد الأقصى للفترة الرئاسية.
يختتم الكاتب حديثه بالإشارة إلى أنه إذا كان هناك شىء واحد يمكن للعلماء السياسيين والاقتصاديين وخبراء التكنولوجيا الاتفاق عليه، فهو بناء الرئيس شى لأقوى نظام مراقبة تدخلى فى التاريخ. ويبقى أن نرى ما إذا كان نهجه فى «صنع الصين مرة أخرى» سيعزز سلطته أو سيتحول إلى ضعف قاتل. ولكن مع قيام الصين بدور أكبر من أى وقت مضى فى الاقتصاد العالمى من خلال استثماراتها ومشاريع البنية التحتية، سيصل صداع ما يحدث هناك إلى كل مكان، ولسنوات قادمة. وهذا يعنى أن شى ربما قد يصبح «رئيس كل شىء إلى الأبد» على كل حال.
النص الأصلى: