أوباما بين جمال أمريكا وقبحها - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما بين جمال أمريكا وقبحها

نشر فى : الجمعة 7 سبتمبر 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 سبتمبر 2012 - 8:25 ص

أدى انتخاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى نوفمبر 2008 ليكون الرئيس الـ44 للولايات المتحدة لإزالة آخر حاجز عنصرى فى الحياة السياسية الأمريكية. ومع قرب الانتخابات الرئاسية الجديدة، التى ستجرى يوم السادس من نوفمبر المقبل أمام مرشح الحزب الجمهورى، ميت رومنى، وهو من أبناء الطائفة المورمونية، سيكون الرئيس الأمريكى القادم أبنا لأحد الأقليات مرة ثانية.

 

•••

أوباما ابن الأفارقة السود، وهم أقلية نسبتهم تصل إلى 13% من سكان أمريكا أو ما يقرب من 40 مليون شخص. وتاريخيا ارتبطت كلمة أسود بكلمة عبودية فى أمريكا، وجاءت نشأة المجتمع والدولة هنا على عدة أسس، من أهمها ضرورة جلب أعداد كبيرة من سكان القارة الأفريقية، أطلقوا عليهم صفة العبيد، للعمل فى الأراضى الشاسعة، ولم يمنع ويتوقف استيراد الأفارقة إلا عام 1806، وخاضت أمريكا حربا أهلية وصراعا طويلا حتى تمتع ذو الأصول الأفريقية بكامل حقوقهم السياسية.

 

أما منافس أوباما الجمهورى ميت رومنى، فهو أحد أبناء طائفة المورمون وهى الديانة التى أسس لها السيد جوزيف سميث، ويعتبره أتباعها نبيا من الأنبياء. وفى عام 1830 قام جوزيف سميث بالدعوة لدينه الجديد، وقد استجاب العديد من المسيحيين الأمريكيين لدعوة جوزيف. وتخالف تعاليم المورمون المذاهب المسيحية الأخرى بالسماح بتعدد الزوجات. واعتبرت المذاهب المسيحية الأخرى المورمون مرتدون، وقد نشب عدد من الاضطرابات بينهم وباقى المذاهب المسيحية، وقد كان أشدها فى عام 1844 التى هاجم فيها الأهالى جوزيف فسجنوه وشقيقه ثم قتلوهما دون محاكمة. وتبع ذلك مهاجمة وإحراق كنائس المورمون، وقتل العديد من أتباعها. ويصل نسبة المورمون اليوم 1.7% من إجمالى الشعب الأمريكى أو ما يزيد قليلا.

 

وتمثل ظاهرة أوباما ورومنى فى جانب منها أجمل ما فى أمريكا، حيث يمكن لأبناء الأقليات النجاح لدرجة المنافسة ديمقراطيا فيما بينهم على منصب الرئاسة. ورسالة هذا الحدث من الأهمية بمكان لتعلن امريكا انها لم تعد بلدا للبيض فقط، وليست بلدا للمسيحيين البروتستانت فقط، على الرغم من أغلبيتهما الكبيرة. ولم يكن اللون والعرق فى حالة أوباما هى العوامل الحاسمة فى نصره منذ أربع سنوات، ولن تكون كذلك إذا ما تمت إعادة انتخابه. ولم يكن الدين أو المذهب العقائدى فى حالة رومنى هو العامل الحاسم لاختياره لتمثيل الجمهوريين.

 

•••

دعا لانتخاب أوباما بعض المفكرين الأمريكيين للتغنى بنظام بلادهم، ويحذوهم أمل كبير فى إعادة انتخابه مرة أخرى، فهم يرون أن ذلك يمثل أفضل وأجمل ما فى أمريكا. وقد يكون هذا صحيحا فى جزء كبير منه، إلا أن انتخاب أوباما فى حد ذاته لم يعنى أن أمريكا باتت أمة فاضلة، أو أمة تحترم حقوق الإنسان وتقدس حكم القانون.

 

نعم جاء انتخاب رجل أسود من أصول أفريقية وأصول مسلمة بمثابة أمل وخلاص للكثيرين داخل وخارج الولايات المتحدة. إلا أن واقع السياسة الأمريكية المر والقبيح وقف مانعا أمام تحقيق الكثير مما وعد به أوباما. وعد أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو، وهو الوعد الذى قطعه على نفسه فى أول أيام حكمه، ولم يحدث حتى الآن. لم يستطع أوباما إنهاء الحرب فى أفغانستان حتى اليوم. ولم يتردد أوباما فى إعطاء أوامر بقتل مواطنين أمريكيين بلا محاكمة، كما حدث فى حالة المواطن الأمريكى أنور العولقى فى اليمن، كما لا يتردد فى الموافقة على هجمات الطائرات بدون طيار على من تعتقد واشنطن أنهم إرهابيون داخل باكستان، وما يترتب عليه من سقوط ضحايا أبرياء فى حالات كثيرة.

 

ورغم دراسة أوباما للحقوق فى جامعة هارفارد، وهو ما جعل البعض يتوقع منه إرساء قيم العدالة وسيادة القانون، فإن سجل ملفات التعذيب والسجون السرية ونقل المعتقلين قصرا، وهى أساليب تتبع منذ 11 سبتمبر، فى معارضة مباشرة لنص التعديلين الخامس والسادس من وثيقة الحقوق التى تعتبر جزءا أساسيا من الدستور الأمريكى، وتقضى بعدم قانونية احتجاز أى شخص للاستجواب حول أى جريمة كبرى أو جريمة شائنة إلا بتقديم أو توجيه اتهام من هيئة المحلفين العليا، يعد عارا على الرئيس أوباما.

 

•••

وتعتقد المدرسة الفكرية الأمريكية أن «أمريكا» الفكرة والحدوتة، عظيمة بطبيعتها بدليل انتخاب أوباما. وأكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون ذلك مؤخرا إذ قالت إن حل مشكلات العالم يتطلب مؤهلات وإمكانات ودور «تستطيع أمريكا فقط أن تقوم به»، وبعد ذلك قال أوباما نفسه «إن كل دول العالم تشعر بالغيرة، وتتمنى أن تكون فى مكانة وقوة أمريكا».

 

ورغم الجمال الأمريكى، فإن هناك «قبحا» لا يمكن تجاهله خاصة فيما يتعلق بأسلوب الحكم، وطبيعة النظام السياسى ذاته. ومع أن الأمريكيين يفخرون دائما بديمقراطية بلادهم، ورغم أنها حقا تعتبر أنجح الديمقراطيات فى العالم،فإنها تتمتع أيضا بنظام سياسى قد يكون الأكثر فسادا فى العالم. والسبب وراء عدم إدراك معظم الأمريكيين لهذه الحقيقة هو أن الفساد هنا يكتسب الصفة القانونية. فرغم أن الأمريكيين يؤمنون بأن حكومتهم «حكومة الشعب ومن الشعب ولأجل الشعب»، فإن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك، فهى تبدو «حكومة الشعب من جماعات المصالح ولأجل مصالح هذه الجماعات»، وقد أنفقت جماعات المصالح الأمريكية العام الماضى ما يقرب من 5 مليارات دولار على جيش من اللوبى بلغ عددهم 13 ألف شخص يعملون فى واشنطن فقط، من أجل التأثير فى صنع السياسات الأمريكية المختلفة. لذا ليس من المستغرب أن تبلغ نسبة ثقة الشعب الأمريكى فى مؤسسة الكونجرس 12% فى استطلاع حديث للرأى.

 

•••

هل سيستطيع أوباما حال إعادة انتخابه أن يرقى لتطلعات محبيه حول العالم بمواجهة حقيقية مع فساد السياسة الأمريكية، وعلى رأسها دور المال فى الانتخابات؟ ماذا سيختار أوباما إظهاره للعالم: قبح أمريكا أم جمالها.

 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات