تأملت فيما كتب وما قيل فى أعقاب تفجير حادثة مسجد الإمام الرضا بحى المحاسن فى الأحساء، فوجدت غالبية ما قيل إن لم يكن كله، يدعو إلى التشبث بالوحدة الوطنية ودعم التلاحم بين أبناء المجتمع لإبطال ما يسعى إليه البغاة من تقويض للأمن ونشر للفتنة وزرع لأسباب حرب أهلية، تدمر البلاد وتجرها إلى مصير أسود كمصير بعض البلدان المجاورة لها.
وهذا الاتفاق العام على أهمية الترابط والوحدة والتحذير من الانسياق وراء تلك المحاولات الشريرة لجر البلاد إلى مستنقع الاضطراب والفوضى، يدل على استشعار الجميع للخطر الذى بدأ يحوم من حولنا، يتصيد ثغرة للولوج منها ليدمر أمننا وسلامنا واستقرارنا.
لكنى أرى أن هذا الخطاب العاقل الحكيم، أخطأ تصويب الرمية، فهو موجه إلى عامة الناس، وعامة الناس لا يمثلون خطرا، العامة غالبا يقادون ولا يقودون، وكان الأولى توجيهه إلى (الخاصة) من قادة الفكر والرأى الذين يمسكون بزمام الخطاب الثقافى، خصوصا بعض خطباء المساجد والوعاظ والناشطين فى وسائل التواصل الاجتماعى، ممن لهم تأثير مباشر فى قيادة العامة، فهؤلاء ما زالوا يصرون على الاستمرار فى بث رسائلهم للعامة يحرضونهم على الكراهية وترسيخ العداوة ضد أصحاب المذهب المخالف لهم، هم مع الأسف، حتى الآن لم يستشعروا خطورة ما يفعلون، خاصة الذين تمثل أصواتهم ثقلا فى ميزان إقناع العامة وتشكيل توجهاتهم، لما لهم من مكانة كبيرة واحترام فى نفوس الناس، فتؤخذ أقوالهم مأخذ صدق، وترسخ فى الأذهان وتتمثلها القلوب والعقول.
ومتى نشط الخطيب والواعظ فى لعن أو مهاجمة أصحاب المذهب المخالف لمذهبه، تلقى قومه قوله بالقبول والإذعان، وتبنوا فكره، وجعلوه مبدأ لهم يسيرون وفقه، وهنا تحدث الكارثة، حيث يكون بفعله هذا أعان البغاة على تحقيق أهدافهم بأن قام بتهيئة الناس فكريا لما يتطلعون إلى تحقيقه من زرع الكراهية والعداوة فى القلوب، فيسهل عليهم آنذاك اصطياد الأعوان لهم.
إن كان ثمة حاجة إلى توعية ومناصحة فكرية، فإن الأولى بها قادة الفكر وسادة الخطاب الثقافى فى المجتمع، فهم الأصل الذى يتفرع منه أولئك البغاة الظالمون.
عزاء جميلا للوطن ولأهل الشهداء والمصابين، ورحم الله المتوفين ومن بالشفاء التام على الجرحى. وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عكاظ ــ السعودية
عزيزة المانع