يرجع تاريخ العلاقات العسكرية بين مصر وأمريكا للنصف الثانى من القرن التاسع عشر، وتحديدا عقب انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية عام 1865. وبمجرد انتهاء الحرب بانتصار جيش الشمال الاتحادى الفيدرالى على حساب جيش الجنوب الانفصالى الكونفيدرالى، لم يشعر الكثير من العسكريين فى الجيشين بالرغبة فى العودة للحياة المدنية من جديد، واختار عشرات الجنود والضباط الانتقال لمصر للعمل مع جيشها وتقديم خدماتهم للخديوى اسماعيل.
وكان لافتتاح قناة السويس عام 1869، والذى جاء عقب انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية، والتى جعلت من مصر فى ذلك الوقت (حيث لم يكن هناك طيران) من أهم دول العالم لسيطرتها على أهم طرق الملاحة الدولية بين قارتى آسيا وأوروبا، بريقا خاصا ساهم فى شعور العسكريين الأمريكيين بأهمية ما يقومون به.
***
خدم فى الجيش المصرى أكثر من ثلاثين أمريكيا منهم ست جنرالات، كان أهمهم الجنرال الجنوبى وليام لورنج الذى خدم لمدة تسع سنوات فى برامج تحديث جيش مصر، ثم ترقى ليصبح مسئولا عن وحدات الدفاع البحرى، وشارك فى محاولات ضم دول القرن الأفريقى لمصر.
وبعد عودته للولايات المتحدة كتب الجنرال لورنج عن حياته فى مذكراته فى مصر بعنوان «جندى كونفيدرالى فى جيش مصر»، ثم حاول أن يصبح سيناتور فى ولاية فلوريدا، إلا أنه هُزم فى الانتخابات. كما كان الجنرال الشمالى تشارلز ستون من الخبرة والأهمية ليصبح أحد كبار مستشارى الخديوى اسماعيل العسكريين، وتمت ترقيته وحصل على رتبة فريق. وبعد عودته للولايات المتحدة عمل كبيرا للمهندسين فى مشروع وضع تمثال الحرية فى مدخل مدينة نيويورك.
وحصل الجنرالات الأمريكيون على راتب سنوى بلغ 2500 دولار ذهبى، وعُهد لهم بالمشاركة فى تدريب الجيش المصرى، كما ساهموا بصورة كبيرة فى تأسيس عدد من المدارس العسكرية، وتحسين البنية الأساسية لمواصلات الجيش المصرى واتصالاته، ودعموا الحملات العسكرية المصرية فى عدد من الدول الأفريقية.
وبعدما تمت إزاحة الخديوى اسماعيل وتعيين ابنه الخديوى توفيق عام 1879، بقى العسكريون الأمريكيون بجوار الحاكم الجديد، وعندما قامت ثورة عرابى وما تبعها من دخول القوات البريطانية لمصر، عاد العسكريون الأمريكيون لبلادهم.
***
وخلال الاحتلال البريطانى لمصر لم يكن هناك وجود لعلاقات عسكرية مصرية أمريكية، وبعد حصول مصر على استقلالها الرمزى عام 1922، لم تؤسس الدولتان لعلاقات عسكرية ذات أهمية.
وبعد الاعتراف الأمريكى بدولة إسرائيل عام 1948، وما تبعه من لجوء مصر لتسليح جيشها الوليد بعد حركة الضباط الاحرار عام 1952، من دول الكتلة الشرقية، طورت مصر علاقاتها العسكرية بصورة كبيرة مع الاتحاد السوفيتى خلال العقود الأولى من فترة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة.
وتحدثت الأدبيات العسكرية الأمريكية بأسى عن خسارة واشنطن لمصر خلال تلك الفترة، وذلك بسبب ما تمثله من أهمية استراتيجية ومكانة رائدة قائدة بين الدول العربية.
عندما فاجأ الرئيس أنور السادات العالم بطرد الآلاف من الخبراء السوفييت الموجودين فى مصر فى صيف 1972، كان رد الفعل الأمريكى دليلا كافيا للتعرف على ما تمثله مصر من أهمية للاستراتيجية الأمريكية. فقد ذكر وزير الخارجية الشهير هنرى كيسنجر «لو اتصل الرئيس السادات تليفونيا بواشنطن وطلب أى شىء قبل طرد الخبراء السوفييت من مصر، لكان حصل على ما أراد، إلا أنه قدم هذا العمل الجليل لنا مجانا». من جانبه سارع ريتشارد نيكسون، الرئيس الأمريكى حينذاك، بتوجيه رسالة عاجلة للرئيس السوفييتى ليونيد بريجينيف ذكر فيها عدم علمه المسبق بما أقدم عليه الرئيس المصرى، وعدم وجود دور لواشنطن فى هذه الخطوة المفاجئة، وأكد أن الولايات المتحدة لن تتخذ أى خطوات بناء على هذه التطورات المهمة.
***
تم التأسيس لعلاقات عسكرية قوية بين القاهرة وواشنطن عقب توقيع مصر وإسرائيل اتفاق سلام عام 1979 والذى يقضى بوجود مئات من العسكريين الأمريكيين فى شبه جزيرة سيناء ضمن قوات حفظ السلام الدولية. وبدأت مصر عهدا جديدا فى علاقاتها العسكرية مع واشنطن والغرب. وحصلت مصر على مساعدات أمريكية منذ ذلك الحين بلغ إجمالها حتى عام 2020 ما يقرب من 80 مليار دولار. وأصبح مكتب التعاون العسكرى OMC الملحق بالسفارة الأمريكية فى القاهرة، والمعنى بالتعاملات العسكرية بين الدولتين، ثانى أكبر مكتب من نوعه فى العالم.
ترى واشنطن أن الجيش المصرى كأهم وأقوى المؤسسات المصرية منذ تم التأسيس لعلاقاتها الحديثة مع القاهرة. ولا يتخيل الخبراء الاستراتيجيون الأمريكيون عدم وجود علاقات خاصة مع مصر، فهم يتذكرون جيدا دور جيش مصر فى حرب الخليج الأولى، تلك الحرب التى شارك فيها بما يزيد على 30 ألف جندى حاربوا بجوار الأمريكيين، وهو ما سهل من انضمام دول عربية أخرى للتحالف.
تمنح العلاقات العسكرية واشنطن مزايا كثيرة كان من أهمها مناورات النجم الساطع والتى كانت الأكبر من نوعها فى العالم.
ولأسباب تتعلق بأهمية مصر الاستراتيجية من نواحٍ عدة، حافظت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء جمهورية كانت أو ديمقراطية، على مجموعة ثابتة من الأهداف فى علاقاتها بمصر وذلك بغض النظر عن هوية ساكنى البيت الأبيض أو قصر الاتحادية.