ماضى وحاضر العنصرية الأمريكية - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماضى وحاضر العنصرية الأمريكية

نشر فى : الجمعة 8 مايو 2015 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 مايو 2015 - 9:00 ص

قبل خمسين عاما رفضت سيدة أمريكية سوداء اسمها روزا باركس أن تترك مقعدها فى حافلة كانت تركبها فى طريقها إلى منزلها الواقع فى مدينة مونتجمرى بولاية آلاباما فى الجنوب الأمريكى بعد أن أنهت يوما حافلا بالعمل حيث كانت تعمل كخياطة. كانت قوانين الولاية فى ذلك الوقت تنص على أن يدفع السود ثمن التذكرة من الباب الأمامى وأن يصعدوا الحافلة من الباب الخلفى، وأن يجلسوا فى المقاعد الخلفية. أما البيض فلهم المقاعد الأمامية، بل من حق السائق أن يأمر الركاب السود الجالسين أن يتركوا مقاعدهم من أجل أن يجلس شخص أبيض.

ولكن فى ذلك اليوم تعمدت باركس ألا تخلى مقعدها لأحد الركاب البيض وأصرت على موقفها، رافضة بكل بساطة التخلى عن حقها فى الجلوس على المقعد الذى اختارته. فقام السائق باستدعاء رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القانون. وكان للحادث أثر كبير فى تأجيج مشاعر السود ضد الظلم والتمييز العنصرى، فقاطع السود حافلات الركاب لمدة سنة كاملة.

ورفعت القضية إلى أعلى هيئة دستورية فى الولايات المتحدة، واستمرت المحاكمة مدة 381 يوما. وفى النهاية خرجت المحكمة بحكمها، الذى نصر موقف روزا باركس، وتغير وجه حركة الكفاح ضد العنصرية على أساس اللون. وفى نهاية عام 1956 صار من حق السود الجلوس فى مكان واحد مع البيض وإعطاؤهم نفس الحقوق فى جميع القوانين. من هنا غيرت باركس حياة السود فى أمريكا بصورة دراماتيكية، ويعتبر تحديها واحدا من أهم الخطوات التى قام بها مواطن أمريكى أسود من أجل الحصول على حقوق متساوية لما يتمتع به الأمريكيون البيض.

***

رغم نجاح الأمريكيين السود فى القضاء على العبودية والفصل العنصرى فإن مجتمعهم ما زال يعانى حتى اليوم من مظاهر متخلفة ومشاكل عديدة بالمعايير الأمريكية. وبعد نصف قرن على خطاب مارتن لوثر كينج التاريخى «عندى حلم I have a Dream» ما زالت الظروف المعيشية الصعبة للسود فى أمريكا قائمة.

صحيح أنه لم يعد يحرم السود من دخول المطاعم ودور السينما المخصصة للبيض، وصحيح أنه أصبح منهم رؤساء مجلس إدارة شركات كبرى وأساتذة جامعيين وصحفيين لامعين، وأصبح منهم وزيرين للخارجية ومستشارة للأمن القومى ورئيسا للجمهورية. من هنا أعتقد بعض المهتمين بالشأن الأمريكى خطأ (منهم كاتب هذا المقال) أن وصول أوباما لعرش البيت الأبيض عن طريق انتخابات حرة صوت فيها لصالحه ما يقرب من 42 مليون أمريكى أبيض أو ما يُعادل 72% من أجمالى الأصوات التى حصل عليها تعد دليلا كافيا لما وصل إليه المجتمع الأمريكى فى نضج يتجاهل معه لون البشرة وخلفية الشخص، واعتبر البعض أن أمريكا تشهد مرحلة ما بعد العنصرية.

إلا أن تكرار حوادث المواجهات بين رجال شرطة بيض فى الأغلب الأعم، وبين شباب أسود وما ينتج عنها من أعمال عنف ومواجهات مختلفة سواء كانت الحادثة مقرها مدينة فيرجسون بولاية ميسورى بوسط أمريكا، أو بضاحية ستاتين أيلاند خارج مدينة نيويورك فى الشمال الشرقى على سواحل الأطلنطى، أو فى شرق مدينة لوس أنجلوس فى قلب ولاية كاليفورنيا المطلة على المحيط الهادى، فقط تذكرنا بأن الطريق ما زال طويلا. ويعود طول الطريق لغياب أبسط قواعد «العدالة الاجتماعية» والمتمثلة فى كيفية توزيع الدخل وتخصيص الموارد وإتاحة الفرص وسياسة منصفة للعقاب والثواب.

***

يصعب القول أن الأمريكى الأسود قد نال كل الحقوق والفرص المتاحة لنظيره الأبيض، نعم تحسنت ظروف معيشة السود بشكل عام، لكن الفوارق لا تزال قائمة وصارخة. وطبقا لإحصاء عام 2014 بلغ عدد السود 42 مليون نسمة، أو نسبة 13% من إجمالى عدد السكان. وتبقى المشكلات الكبيرة للسود الأمريكيين، ممثلة فى عدة ظواهر مقلقة من أبرزها الفقر إذ يعيش 24.7% من السود تحت خط الفقر، وتبلغ هذه النسبة 12.7% على المستوى القومى الأمريكى.

ويقصد بالفقر أمريكيا حصول عائلة مكونة من أربعة أفراد على أقل من 18.4 ألف دولار سنويا. كما يتعرض التلاميذ السود فى حالات الإخلال بالنظام لعقوبات أكثر صرامة من نظرائهم البيض، ويجد الكثير من التلاميذ السود أنفسهم فى مدارس ضعيفة التجهيز. وتعكس بيانات قطاع الصحة أن معدل عمر الأمريكى الأسود أقل من نظيره الأبيض بـ6 سنوات. إلا أن الظلم المجتمعى يعبر عن نفسه بصورة أكثر وضوحا من خلال نظام العدالة ونظام المحاكم، حيث يتعرض السود أكثر من غيرهم لرقابة الشرطة فى الأماكن العامة، كما أن احتمال الحكم عليهم بالإعدام يبلغ أربعة أضعاف احتمال الحكم على البيض فى الجرائم المشابهة. ونسبة السود بالسجون الأمريكية تبلغ 43% رغم أن نسبتهم للسكان بلغ فقط 13%، ويسجن من الرجال السود مرة واحدة على الأقل فى حياتهم. ولا تزال نسب الزواج المختلط نادرة بين السود والبيض وتبلغ فقط 0.06%. أما فى الشق السياسى فبالإضافة للرئيس هناك عضوين سود بمجلس الشيوخ المكون من مائة عضو، وهناك 44 نائبا فى مجلس النواب المكون من 435 عضوا أو ما نسبته 10%.

***

ما شهدناه أخيرا فى بالتيمور وغيرها هو ترجمة دقيقة لما قاله مارتن لوثر كينج، الزعيم التاريخى للسود الأمريكيين من أن «أعمال الشغب هى لغة غير المسموعين». من هنا يصبح كفاح السود وغيرهم من غير المسموعين عملية مستمرة حتى ولو وصل أمريكى أسود لعرش البيت الأبيض. وليقتدى سود أمريكا وكل المهمشين، بما قاله مارتن لوثر كينج من أنه «ليس هنالك شىء اسمه نضال لأجل حق صغير، أو ظرفى أو مؤقت، بل هنالك النضال الدائم لأجل إنسان، خلقه الله حرا وعليه أن يعيش حرا وكريما».

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات