على مدار اليومين الماضيين، كنت أتابع بطبيعة الحال، ردود الأفعال واسعة النطاق، التى أعقبت اللقاء التليفزيونى الأول للمرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى. وبعيدا عن مغالاة محبيه فى التغافل عن أى ملمح سلبى، وبعيدا أيضا عن كل انتقاد ايجابى قدمه معارضوه.. أحببت الإشارة إلى بعد غائب فى الحديث، ربما وجدت فيه ما يستحق الذكر مفردا بعيدا عن السمات الشخصية التى استفاض فى تناولها الكثيرون، أو القلق المشروع من غياب الحديث بالكلية عن مساحة الديمقراطية أثناء ولاية السيسى المحتملة التى تخوف منها آخرون.
البعد الذى اتحدث عنه موصول ٌإلى حد كبير بما تناولته الثلاثاء الماضى من غياب التصور الكلى الاستراتيجى المقرون بخريطة زمنية واضحة المعالم تقودنا إلى قطف ثمار بنهاية أربع سنوات هى عمر الولاية الرئاسية ، وأخرى لن نتحصل عليها إلا بعد عشر سنوات على أقل تقدير.
الصورة الكلية أو الرؤية العامة أولا والخلوص منها باستراتيجية واضحة للدولة خلال فترة الأربع سنوات المقبلة، ثم ترجمة هذه الاستراتيجية إلى مشاريع يمكن قياس نتائجها بمؤشرات تقييم أداء رئيسية Key performance indicators هو الاطار العلمى الوحيد الذى يمكن منه أن نفهم جزئيات مثل (المصابيح الموفرة للطاقة) أو (سيارات نصف نقل لبيع مواد غذائية بسوق العبور).. أما أن تذكر هذه الجزئيات (التكتيكات Tactics) فى معرض الحديث عن الصورة الكلية فيضر أكثر مما يفيد ، لأن مكانها على الخرائط الاستراتيجية (Strategy Maps) بالنسبة لإدارة الدولة لن يفهم فى سياق اللقاء التليفزيونى.
زيادة إدراك المواطن بحجم التحديات ثم بدوره ومسئوليته فى مواجهة هذه التحديات يأتى كنوع من الأدوات التى تعين على تطبيق الرؤية الكلية Enablers، لكن الحديث عنه باستفاضة لا يكفى وحده لتحقيق الهدف ، وواضح أن السيسى قد تعود على مدار سنوات عمره العملى الاعتماد على قوة الدفع الذاتى وهى الفلسفة التى حاول التأكيد عليها أكثر من مرة وتعنى ببساطة أن العمل الدؤوب المتراكم المنتظم أشبه بماكينات محرك عملاق قادر بفضل عمل هذه الماكينات على توليد طاقة هائلة.
لكن النتيجة المترتبة على إهمال توجيه الطاقة الهائلة فى الطريق الصحيح تتراوح بين (الأسوأ) وتعنى ببساطة انفجار المحرك نفسه دون إحداث أى تقدم يذكر وأبرز أمثلة هذه النتيجة تجربة (القفزة العظمى إلى الأمام أواخر خمسينيات القرن المنصرم على يد الزعيم الصينى ماو تسى تونج ومن قبلها تجربة ستالين فى الزراعة التعاونية فى ثلاثينيات نفس القرن).
أو أن تكون الطاقة الهائلة موجهة فى اتجاه (مفضول) يفَوّت على المجتمع تحقيق عائد اقتصادى أكبر فى الحاضر أو فى المستقبل، أو ما يعرف اقتصاديا بتكلفة الفرصة البديلة The opportunity cost.