لم يأخذ الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة حقه كمؤلف من كتابات النقاد عن أفلامه السينمائية قليلة العدد التى عكست مدى نضجه الفنى، ولا أعرف لماذا كانت هذه الظاهرة، فقد نظرنا جميعًا إليه ككاتب سيناريو، ولم يتابعه أحد أيضًا ككاتب للدراما الإذاعية فى بداية حياته، وكم هو فى حاجة إلى أن نعيد قراءة أفلامه، ومنها كتيبة الإعدام إخراج عاطف الطيب 1989 ودماء الأسفلت والفيلمان من بطولة نور الشريف.
هناك تلامس ملحوظ بين موضوعات اجتماعية يعيشها أبطال هذه الأفلام وبين الأحداث الوطنية التى شهدها الناس، وأيضًا بعض السياسة، أى أنهم كان يدخل كتاباته إلى دوائر ألغام يمكنها أن تنفجر فى كل لحظة، وكان من الشجاعة أن يعزف على موضوعات بالغة الحساسية، وحسب معلوماتى فإنه ليس لدينا فيلم كامل عما حدث فى مدينة السويس إبان الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر 1973، فكشف عنها الستار وكان من بين شخوصه البارزة مدنيون يعيشون فى المدينة، الكثيرون منهم لديهم مشاعر وطنية ويمارسون المقاومة الشعبية، فى ظل ظروف بالغة الصعوبة إلا أن هناك خائنًا يتعامل مع العدو الصهيونى ويستغل ظروف الحرب المعقدة ويقوم بسرقة أموال حكومية هى مرتبات رسمية، ويهرب بها دون أن يكتشف أحد الحقيقة ليعيش فى القاهرة باسم آخر غير اسمه المعروف وهو الأكتع، ويصبح فى زمن الانفتاح واحدًا من أبرز رجاله، بينما حسن عز الرجال ــ الرجل الشريف ــ يدخل السجن ويقضى مدة عقوبة تصل إلى خمسة عشر عامًا، وليخرج وعلى جبهته وصمة عار أنه السارق والخائن، ويجد نفسه مطاردًا من بعض الأطراف التى لها علاقة بالسرقة أو بأشخاص ماتوا فى ظروف غامضة.
بكل جرأة يقول أسامة أنور عكاشة إن فى مجالنا خائن، وأننا تعاملنا معه سنوات طويلة على أنه رجل ثرى وشريف للغاية، وتبدأ الحدوتة حين يخرج حسن من السجن ويعرف أن ابنة الرجل الراحل تريد أن تقتله ليكون القصاص الحقيقى، فيذهب إليها بكل شجاعة ويطلب منها أن تطلق الرصاص عليه، ومن خلال الحوار بينهما تكتشف أنه برىء وأن عليهما البحث عن القاتل الحقيقى، ونعرف أن نعيمة قد شاهدت الأكتع وزوجته فى سيارة بعد أن تغيرت ملامحهما، وهنا تبدو عبقرية الكتابة؛ حيث إن الفكر يبدأ غمسة بالمطاردات والحركة، والمواقف الإنسانية حيث ينضم إلى الأحداث اثنان من الضباط الشباب يريدان مساعدة حسن فى الوصول إلى الحقيقة، وفى المشاهد الأخيرة من الفيلم تعقد محاكمة للأشخاص الأربعة الذين قتلوا الأكتع عمدًا وبالرصاص انطلق فى نفس اللحظة.
وتبدو المحاكمة هنا جماعية بحيث صارت تلك الأحداث قضية رأى عام تخص تاريخ المصريين، بدون أى نوع من الزعيق؛ حيث إنه لا حديث حول الهزيمة أو النصر أو الصغرة، ولكن الحديث فقط عن شرف الوطن وأنه من الواجب أن يدفع الخائن ثمن موقفه السيئ وهو الذى هنأ كثيرًا طوال خمسة عشر عامًا بالثروة التى سرقها وهى ليست ملكًا له بل هى أموال مدنية وعسكرية.
فى النهاية يخرج الأربعة من المحكمة مكللين بالنصر، لقد تابع الناس هذا الفيلم باعتباره واحدًا من أفلام الحركة، لكنه مكتوب بفكر محدد استطاع عاطف الطيب أن يتلقطه ويصنع منه عملًا متكاملًا دون أى هتافات مباشرة، من الملاحظ أن هناك أفلامًا كثيرة عزفت على موضوع الصراع العربى الإسرائيلى بعد أن تحول إلى ظاهرة رأى عام خاصة فى زمن السلام المصرى الإسرائيلى، ومن هذه الأفلام فيلم السفارة فى العمارة أى أننا فى حاجة ماسة إلى مثل هذه الأعمال التى تروى المشاعر الوطنية عند الناس، وقد أحسن عاطف الطيب اختبار ممثلين فمنح عبدالله مشرف دورًا مختلفًا بالنسبة لهم، وأعطى بطولة شبه مطلقة لشوقى شامخ، بينما خصص دور حسن لنور الشريف الذى عمل معه كثيرًا فى أفلامه بالغة الأهمية.