الحرب الإسرائيلية على إيران والإقليم ونظرية الأمن القومي الإسرائيلي - أحمد فاضل يعقوب - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 يونيو 2025 1:37 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

الحرب الإسرائيلية على إيران والإقليم ونظرية الأمن القومي الإسرائيلي

نشر فى : الإثنين 16 يونيو 2025 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 يونيو 2025 - 8:06 م

كثيرًا ما يشير بعض المحللين، خاصةً من العرب، إلى أن السياسات التى تنفذها الحكومة الإسرائيلية منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023 ومنها الحرب على إيران الجارية حاليًا، وسياسة الإبادة والتهجير التى تتبعها ضد الفلسطينيين، وما قامت به من ضربات عسكرية ضد حزب الله فى لبنان، وضد الحوثيين فى اليمن، وضد الجيش السورى أو ما تبقى منه ــــ ما هى إلا سياسات لحكومة نتنياهو الحالية وتحالفها مع أقصى اليمين الصهيونى المتطرف، أو أنه يخوض كل هذه  الحروب بهدف البقاء فى السلطة، وبالتالى يستنتج هؤلاء المحللون أن سقوط حكومة نتنياهو نتيجة لأى اتهامات قضائية، أو صراعات سياسية داخلية ومنها سحب الثقة، قد يغير من هذه السياسات، أو هكذا يأملون.

تقديرى أن هذا تسطيح مخل، فإسرائيل لديها نظرية لأمنها القومى تعمل على تحقيقها منذ نشأتها، وتتوافق عليها المؤسسات الأمنية (الجيش وأجهزة الأمن) والطبقة السياسية بمختلف توجهاتها وأحزابها، وإن اختلفت حدة تعبير الأحزاب عن هذه السياسات، ويؤيدها بالتالى معظم المجتمع الإسرائيلى، وهى نظرية أهدافها واحدة وفيها قدر من المرونة حسب تغير الظروف المحيطة بها، وطبيعة التهديدات الدائمة أو التى تظهر فى مرحلة ما، ومدى تنامى قوتها أو ضعفها، ويتم تحديثها تباعا، وبالتالى فإنها لديها الخطط والمعلومات الاستخباراتية اللازمة، والأدوات العسكرية والتكنولوجية المتطورة لتحقيق هذه الأهداف، فإذا جاءت اللحظة المناسبة ـــــ خاصةً من حيث ضمان المساندة من القوة الرئيسية العظمى فى العالم، والظروف الإقليمية المواتية، وهشاشة الخصم واختراقه من الداخل، وضمان تحقيق هذه الأهداف بخسائر يمكن تحملها ــــ انقضت وكشرت عن أنيابها لتحقيق أهداف أمنها القومى، واستخرجت الخطط الجاهزة منذ سنوات وربما عقود، ونفذتها بآلاتها العسكرية والاستخباراتية وبالتعاون مع الدول الغربية التى ترى مصلحة لها فى تأييدها ومساعدتها بالسلاح والتكنولوجيا والمعلومات والمال. فقد تكشف، حسبما هو معلن فى إسرائيل، أن التخطيط لاختراق وضرب حزب الله قد تم الإعداد له استخباراتيًا وعسكريًا منذ سنوات، ونفس الشيء ينطبق على خطط ضرب إيران عسكريًا والقضاء على برنامجها النووى بالحرب الحالية.

 

وتقوم نظرية الأمن القومى الإسرائيلى على المبادئ التالية:

 1. الانفراد فى الإقليم بامتلاك القدرات العسكرية النووية، ومنع أى أطراف أخرى من امتلاكها، ولذلك جاء العداء لبرنامج إيران النووي، والاعتراض على الاتفاق الذى وقعه أوباما وألغاه ترامب فى دورته السابقة، والإعداد للقضاء عليه، بل واعتبار القوة العسكرية الباكستانية رغم بعدها مهددة لأمن إسرائيل.

 2. القضاء على أى قوى تهدد إسرائيل وأمنها فى الإقليم، وبالتالى إعداد الخطط اللازمة للقضاء على حزب الله فى لبنان، وقد تم على الأقل فى المرحلة الحالية، القضاء على قدرته لتهديد أمن إسرائيل. وجارى تعاملهم مع الحوثيين فى اليمن.

 3. القضاء على أى قوى عسكرية فى الإقليم، أو على الأقل تحييدها، قد تهدد أمنها حاليًا أو مستقبلا، ومن ذلك انتهاز فرصة الاضطرابات الداخلية فى سوريا لتدمير القدرات العسكرية السورية المتبقية، بل والتوسع باحتلال مناطق أكثر من هضبة الجولان السورية.

 4. إثبات وتحقيق الهيمنة على الإقليم وفرض علاقات التعاون.

 5. يهودية الدولة، وبالتالى أهمية القضاء على الخطر الديموغرافى من السكان العرب، سواء فى الداخل الإسرائيلى، أو فى قطاع غزة والضفة، وبالتالى رفض قيام دولة فلسطينية حقيقية (رغم اتفاقيات أسلو)، ولما كان البديل هو حل الدولة الواحدة على نمط جنوب إفريقيا، الذى حتما سيشكل العرب مستقبلاً الأغلبية فى إطاره، فكان الهدف الذى تم التخطيط له هو العمل على تهجير العرب إلى الخارج، أو إزاحتهم للدول المجاورة (مصر والأردن)، أو حتى تشجيعهم للهجرة إلى آسيا وإفريقيا، أو إبادة أكبر عدد منهم.

• • •

هناك من الحقائق والمعلومات التى نشرت ما يؤكد أن إسرائيل كانت تعلم علم اليقين بهجوم السابع من أكتوبر 2023، فحسب التقرير الذى نشرته BBC بتاريخ 27 نوفمبر 2023، فقد تضمنت المعلومات التالية:

1. أعلن إسماعيل هنية فى 29 ديسمبر 2020 عن أربع تدريبات كبرى مشتركة بين الفصائل بقيادة حماس، وكانت هذه التدريبات تتم على مدى عامين، وفى وضح النهار، ليس هذا فحسب، بل كانت الفصائل تضع عدة فيديوهات وصورا لها على وسائل التواصل الاجتماعى.

2. تم أول هذه التدريبات فى ديسمبر 2020، والثانى فى ديسمبر فى العام الذى يليه فى 2021، والثالث فى ديسمبر2022، أما الرابع والأخير فقد حدث قبل هجوم السابع من أكتوبر 2023، بنحو 25 يوما فقط، والأكثر من ذلك أن أحد هذه التدريبات تم على مسافة نحو 2.5 كم من الجدار العازل بين غزة وإسرائيل وقرب معبر «إيريتز».

3. كانت تصريحات أحد قادة الفصائل تشير بالفعل إلى نوايا وأهداف هذه التدريبات، ومنها تصريح لأحد قادة كتائب «عز الدين القسام أيمن نوفل» فى 26 ديسمبر 2021، والذى ذكر فيه «أن التدريبات تقول للعدو إن الحوائط والإجراءات الهندسية على الحدود لن تحميكم»، أما بيان حماس الصادر عقب تدريبات 28 ديسمبر فى العام التالى 2022، فقد تضمن (أن المناورات المشتركة تم إعدادها كنموذج لتحرير المستوطنات فى محيط غزة).

4. كانت طبيعة هذه التدريبات المعلنة تشير وبوضوح إلى ما تزمع الفصائل الفلسطينية القيام به على وجه الدقة، فقد تضمنت تدريبا على نموذج لاقتحام قاعدة عسكرية إسرائيلية، والتدريب على كيفية الهجوم على دبابات إسرائيلية وأخذ من فيها كأسرى، والأغرب من ذلك أن الفصائل وضعت صورا على وسائل التواصل الاجتماعى، ونشر تقرير الـ BBC بعضها، وهو يحاكى ما حدث بالفعل أثناء هجوم السابع من أكتوبر.

5. حذرت بعض المجندات الإسرائيليات على نقاط المراقبة من نشاط مكثف لطائرات مسيرة وتم تجاهل هذه التحذيرات.

• • •

نشير كذلك لتقرير مهم نشرته نيويورك تايمز يوم 30 نوفمبر 2023  ذكرت فيه (أن إسرائيل قد حصلت من أحد عملائها على وثيقة فى نحو 40 صفحة وتداولتها أجهزة الأمن والاستخبارات والأمن الإسرائيلى، وكانت تتضمن بالتفصيل الشامل ما تنوى حماس والفصائل الفلسطينية تحديدا القيام به وأهدافها، ومن ذلك اقتحام السور العازل وأخذ أسرى أو محتجزين، كما تضمنت الوثيقة نوعية الوسائل والأسلحة المستخدمة، وأضاف تقرير النيويورك تايمز أن بعض مديرى الإدارات المعنية فى أجهزة الأمن الإسرائيلية كانوا مدركين لإمكانية حدوث ذلك بالفعل، ولكن من غير المعروف ما إذا كان  مضمون هذه الوثيقة قد وصل لمجلس الوزراء الإسرائيلى أم لا.

فالمعلومات السابقة تؤكد أن إسرائيل كانت تعلم علم اليقين بنوايا حماس والمنظمات الفلسطينية الأخرى، وأهدافهم، وتسليحهم، وما يعتزمون القيام به تحديدا، وكان بإمكانها توجيه ضربة استباقية، ولكنها لم تفعل وتركته يحدث، وارتأت أنها فرصة تاريخية لا تعوض لتحقيق كل أهداف أمنها القومى لعقود قادمة.

 

أحمد فاضل يعقوب مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر السابق لدى باكستان
التعليقات