مملكة التوك توك.. حان الرحيل - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مملكة التوك توك.. حان الرحيل

نشر فى : الإثنين 9 سبتمبر 2019 - 11:00 م | آخر تحديث : الإثنين 9 سبتمبر 2019 - 11:00 م

ذات مساء كنت أجلس وسط مجموعة من الصحفيين غالبيتهم جاءوا من شرق أوروبا لحضور مؤتمر فى العاصمة الألمانية برلين، وتصادف جلوسى إلى جوار زميل بلغارى فى العقد الخامس من عمره والذى بادرنى بالسؤال التقليدى: من أين جئت؟ وبمجرد أن أجبته أننى مصرى حتى صاح بطريقة لفتت نظر الحضور الذين تجمعوا لتناول العشاء والتعارف: «توك توك...توك توك».

وسط علامات الاستغراب التى ارتسمت على وجوه الحاضرين، اكتشفت أن هذا الزميل قد زار القاهرة من قبل، لكن للأسف العاصمة بعراقتها لم تُختزل فى ذاكرته كما هى العادة فى صورة الأهرامات بشموخها، ولا النيل بعظمته، ولا بأهل المحروسة الطيبين.. فقط بقى «التوك توك»، هذه المركبة القبيحة شكلا ومضمونا، عالقا فى ذهنه بعد أن رآه يسرح ويمرح هنا وهناك.

أيقنت وقتها أن حملات الدعاية التى تطلقها وزارة السياحة، من وقت إلى آخر فى الخارج، ربما لن تصمد عندما يأتى السائح ليفاجأ بصورة مغايرة فى بعض جوانبها، ولعل زيارة بسيطة فى محيط منطقة الأهرامات، وشارع الهرم بتقاطعاته ستكون خير مثال على الوضع الذى بات فيه التوك توك صنوا لصورة لا تليق بمصر ومزاراتها.

التوك توك، بالطبع، لا يقتصر ضرره على تشويه صورة بلادنا فى عيون الأغراب، أو المساهمة فى تدنى الذوق العام فقط، فقد تحول إلى أداة ارتبطت للأسف بالعديد من الجرائم، بعد أن جلب سائقوه، وغالبيتهم من الصبية والأطفال، إلى شوارعنا الفوضى والعشوائية، ولعل الواقع الذى نلمسه من أسوان جنوبا إلى الإسكندرية شمالا يقدم لنا مئات، إن لم يكن آلاف الأمثلة يوميا على الحال التى أوصلنا إليها هذا الكائن القبيح بما يثيره من دخان وأتربة.

طبعا لا يحتاج المرء إلى سرد تفصيلى للمشكلات التى خلفها التوك توك، ولا يزال، فى حياتنا اليومية، فهو خير ما تنطبق عليه كلمات: «ضرره أكثر من نفعه»، ولعل التوجه الأخير الذى أعلنه مجلس الوزراء بشأن الاستعانة بسيارات «الفان» عوضا عن هذه المركبة العشوائية التى صنعت فى بلاد بعيدة لتغزو شوارعنا مع سبق إصرار وترصد ممن جلبوها إلينا لتحقيق مكاسب على حساب الصالح العام، يكون بداية النهاية لمعاناة طال أمدها وحان وقت التخلص من أوجاعها.

وحتى لا يسارع البعض بذرف دموع التماسيح على مستقبل الذين باتوا يتكسبون لقمة عيشهم من التوك توك وأولئك الذى يستخدمونه، نقول إن توجيه رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى تضمن استبدال وإحلال التوك توك بسيارات آمنة ومرخصة، مثل «المينى فان» التى تعمل بالغاز الطبيعى، على أن تتبنى وزارة المالية، والجهات المعنية، تنفيذ هذا البرنامج، مثلما تم فى وقت سابق عند استبدال التاكسى الأبيض بسيارات التاكسى القديمة.
إذن البديل سيكون متوفرا لمن يستخدمون التوك توك فى قضاء مصالحهم، كما أن جزءا كبيرا من سائقى التوك توك يمكنهم التحول سريعا إلى تعلم قيادة السيارات، أما الصبية والأطفال، الذين يحظر القانون عملهم أصلا، فهؤلاء لا يمكن الدفاع عن بقائهم ينشرون الرعب والفوضى فى الشوارع، ويتسببون فى العديد من الحوادث اليومية.

طبعا نحن لا نملك معلومات دقيقة عن أعداد التوك توك التى تقدرها بعض الاحصاءات غير الرسمية بما بين 3 و 5 ملايين مركبة، غير أن المهم هو عدم الاستماع لحزب أصحاب المصالح والمنتفعين الذين سيحاولون الدفاع عن «الفرخة التى تبيض لهم ذهبا»، فتارة يتعللون بأن «التوك توك» يوفر فرصا للعمل، وأخرى بأنه يساعد كبار السن والعجزة فى التنقل، وثالثة بأن البديل مرتفع الثمن وإلى غير ذلك من حجج تحاول تقليل حماس الحكومة لتطبيق قرارها الصائب فى هذا الملف.

لقد شكل التوك توك فى حياتنا اليومية عفريتا ليس فى قلبه رحمه، وقد حان صرف هذا الجنى الذى صنعه سحر أسود ووضعه على ثلاث عجلات، وكساه قطعة من الصفيح الكئيبة، فأحفاد سحرة فرعون قادرون على إنهاء حيله وألاعيبه.

التعليقات