مصر في مواجهة جريمة تهجير الشعب الفلسطيني - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 10 سبتمبر 2025 2:18 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

مصر في مواجهة جريمة تهجير الشعب الفلسطيني

نشر فى : الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 - 8:50 م

 بينما تواصل حكومة اليمين المتطرف فى تل أبيب حرب الإبادة فى غزة وتصعد تصريحاتها العدائية وغير المسئولة ضد مصر الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية بتهجير أهل القطاع وبتوسيع الاستيطان الإجرامى فى الضفة الغربية، تتحرك القاهرة بدبلوماسية رشيدة وذكية لمواجهة الخطط الإسرائيلية.

تستمر مصر فى جهود الوساطة والمساعى التفاوضية بالشراكة مع الولايات المتحدة وقطر لإنفاذ المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار يشمل كف الآلة العسكرية لتل أبيب عن مدينة غزة والمدن الأخرى وإفراج حركة حماس عمَّن ما زالت تحتجز من الرهائن الإسرائيليين، الأحياء منهم وجثث الأموات، والإفراج عن عدد معتبر من الأسرى الفلسطينيين.

تستمر مصر، أيضا، فى حشد التأييد الإقليمى والدولى لخطة إعادة إعمار غزة التى طورتها القاهرة، وتبنتها جامعة الدول العربية. تطرح الخطة مراحل متتابعة لإنهاء الكارثة الإنسانية فى القطاع بتكلفة إجمالية قدرها ٥٣ مليار دولار وعلى مدى خمس سنوات تبدأ بالضغط على إسرائيل للسماح بإدخال ما يكفى من الغذاء والمياه والدواء لإبعاد شبح المجاعة عن الغزاويين ثم باستقدام معدات ومواد الإعمار وما يلزم لتقديم الخدمات الأساسية. يلى ذلك جهود مصرية وإقليمية ودولية لإزالة الأنقاض المهولة التى تراكمت على امتداد القطاع وتوفير وحدات سكنية ورعاية صحية متنقلة لأكثر من مليونين من الفلسطينيين.

كما أن خطة إعادة الإعمار، وهى صارت محل دعم من الوكالات الأممية ومن الصين وروسيا والاتحاد الأوروبى وعديد التجمعات الإقليمية، تتضمن تحديد سبع مناطق فى غزة يُنقل إليها السكان مؤقتًا لكى تتم إعادة بناء المنازل والبنية التحتية والمرافق (أولًا فى جنوب غزة ثم فى القسمين الأوسط والشمالى) وتتضمن التوافق حول آليات لحكم غزة وتحقيق الأمن تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية وبدعم عربى وآليات لإدارة ملف سلاح حماس والفصائل الأخرى بإخضاعه لسيادة السلطة الوطنية. فتقترح الخطة أن تُدرّب الأجهزة الأمنية المصرية والأردنية قوات الأمن التابعة للحكومة الفلسطينية قبل أن تتولى مهامها فى غزة، وأن تكون حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى خاضعة لإشراف قوات الأمن الفلسطينية تلك بدعم وإسناد عربيين، وأن تشكل لجنة حكم فلسطينية لغزة تضم تكنوقراطًا مستقلين.

تدعو خطة إعادة الإعمار المصرية ــــ العربية، وهى صارت مرتكزا للفعل الدبلوماسى للقاهرة، الأمم المتحدة إلى التوافق حول تشكيل ونشر قوات لحفظ السلام فى غزة والضفة الغربية للحد من العنف وتوفير الأمن وكذلك حول عودة الوكالة الأممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للمساعدة فى تخفيف معاناة المدنيين فى غزة ما أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار.

• • •

أما بالنسبة لإسرائيل وحكومة اليمين المتطرف الحالية التى لا تتوقف عن الاستفزاز الكلامى والسياسى لمصر من خلال الترويج لجريمة تهجير الشعب الفلسطينى من غزة والتوسع فى الاستيطان فى الضفة، فتتمثل أولويات القاهرة فى منع أى مساس بالسيادة الوطنية أو تهديد لأمننا القومى بإفشال خطط التهجير الإجرامية من القطاع، وفى مواجهة خطر تصفية القضية الفلسطينية بخليط التهجير والاستيطان، وفى الحفاظ على تماسك معاهدة السلام المصرية ــــ الإسرائيلية بكل ضماناتها وملاحقها الأمنية. لمصر من مصادر القوة الذاتية ومن التأييد الإقليمى والدولى ما يمكنها من الوقوف فى وجه الاستفزازات الإسرائيلية وفى الحيلولة دون تصفية القضية الفلسطينية مع مواصلة الالتزام بدبلوماسية السلام والتفاوض والوساطة.

على حكومة اليمين المتطرف فى تل أبيب أن تدرك أن تهجير سكان غزة يهدد بشكل مباشر ركيزتين من ركائز الأمن القومى المصرى، وهما منع جميع أشكال التواجد الجماعى للاجئين الفلسطينيين على الأراضى المصرية ومنع تصفية القضية الفلسطينية بإبعاد الشعب الفلسطينى عن أرضه. على حكومة بنيامين نتنياهو أن تدرك أيضا أن خطط التهجير الإجرامية تهدد بشكل مباشر السلام بين مصر وإسرائيل القائم منذ عام ١٩٧٩ والمستند إلى الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وعدم الاعتداء. ليس سرا أن مصر ترى فى خطط التهجير من غزة وخطط الضم والاستيطان فى الضفة الغربية ما من شأنه أن يزعزع استقرار الشرق الأوسط ويزعزع استقرار الجوار الأوروبى وحوض البحر المتوسط بأكمله الذى لم يعد يحتمل موجات عاتية جديد من التهجير والنزوح واللجوء. لن تُؤدى خطط التهجير فى غزة وخطط الضم فى الضفة الغربية إلا إلى المزيد من العنف وغياب الأمن والويلات الإنسانية التى سندفع جميعا فى الشرق الأوسط وفى أوروبا وفى العالم كلفتها سياسيا ومجتمعيا وتنمويا.

 

• • •

إقليميا، وكما يدلل القرار المتعلق بترتيبات الأمن الجماعى الذى اعتمده بمبادرة مصرية سعودية مشتركة مجلس جامعة الدول العربية فى اجتماعه قبل أيام، تنشط القاهرة لصناعة التوافق حول مبادئ شاملة لإنهاء الحروب والمواجهات العسكرية وعدم الاستقرار فى الشرق الأوسط جوهرها احترام السيادة والحدود الوطنية للدول وعدم التدخل فى شئون الغير وحل النزاعات والصراعات (إن بين الدول أو بداخلها) سلميا وتمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقه فى تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة كأمر لا بديل عنه لإخراج منطقتنا من وضعية غياب الأمن الراهنة. ويذهب فى ذات الاتجاه الطرح المصرى المتعلق بضرورة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل (والثابت أن إسرائيل هى وحدها التى تمتلكها فى المنطقة) والحد من سباقات التسلح التى تحملنا ثمنا تنمويا باهظا نحن فى غنى عنه.

• • •

ولجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ومع أهمية تسجيل القاهرة لرفضها القاطع لكل اقتراب من قبل واشنطن من الخطط الإجرامية لليمين المتطرف فى تل أبيب، فإن علاقات الصداقة والتعاون بين مصر والولايات المتحدة ليست على وشك التأزم أو الانهيار. يجب على القاهرة رفض سياسات واشنطن المنحازة لليمين الإسرائيلى المتطرف، ويمكنها الرد بفعالية على امتناع إدارة دونالد ترامب عن الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف حرب الإبادة فى غزة بالتحرك النشط إقليميا ودوليا للمطالبة بوضع حد للمأساة. فقدرات القاهرة الدبلوماسية والسياسية تمنحها مساحة واسعة للحوار مع واشنطن حول جهود وقف إطلاق النار وخطط إعادة الإعمار والتوصل التدريجى إلى هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وفلسطين تمكن من العودة إلى مفاوضات سلام دائم.

دون الخضوع لإملاءات أمريكية لا تقبلها مصر أو الصمت على السياسات والممارسات المنحازة لإسرائيل والمقوضة للأمن المصرى والعربي، تستطيع القاهرة الحفاظ على علاقاتها الطيبة مع واشنطن، والبحث المستمر عن فرص توظيفها إيجابيا. الأمر هنا لا يتعلق بالمساعدات العسكرية أو الاقتصادية التى تتلقاها مصر من الولايات المتحدة والتى تأتى مقابل مزايا استراتيجية كبيرة تحصل عليها القوة العظمى، بل يرتبط بالدور الأمريكى المؤثر فى قضايا الأمن الإقليمى فى الشرق الأوسط وفى شمال إفريقيا وفى القرن الإفريقى وفى عديد القضايا الاقتصادية والسياسية الدولية. ليس لمصر أى مصلحة استراتيجية فى التخلى عن علاقات الصداقة والتعاون مع الولايات المتحدة أو وقف الحوار الجارى معها.

 

عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
التعليقات