موسوعية وريادة غالى شكرى - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موسوعية وريادة غالى شكرى

نشر فى : الجمعة 10 يناير 2020 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 10 يناير 2020 - 9:35 م

لا أتصور دارسا جادا أو باحثا دءوبا أو قارئا شغوفا بتاريخ مصر ونهضتها، وبالبحث الدقيق فى تلك الفترة التى تعود إلى مائتى عام خلت، فكريا وثقافيا (لا ينفصل عن سياقه السياسى والاجتماعى)، يمكن أن يمر مرور الكرام على كتب غالى شكرى المرجعية «النهضة والسقوط فى الفكر المصرى الحديث»، و«دكتاتورية التخلف العربى»، و«مذكرات ثقافة تحتضر»، و«أقنعة الإرهاب»، و«الثورة المضادة فى مصر»، و«أقواس الهزيمة» و«ثقافة النظام العشوائى»، ومقالاته الرائعة التى جمعها فى كتابه «إنهم يرقصون ليلة رأس السنة»، وغيرها.
من بين كل من تناولوا «مصر»؛ حضاريا وثقافيا وتاريخيا وسجلوا ناتج هذه التناولات فى كتب ستظل علامات ومراجع حقيقية لا غنى عنها، ينفرد غالى شكرى بعدة سمات فى تقديمه أطروحاته الفكرية التحليلية؛ لعل من أهمها الثقافة الموسوعية العميقة الدقيقة والمتشعبة أيضا، إننا بإزاء تركيب وتكوين ثقافى فريد يجمع بين التأسيس السوسيولوجى والمعرفى والتاريخى والنقدى، وبين القراءات الحرة فى الأدب والفلسفة والاقتصاد والأنثروبولوجيا، وبطبيعة الحال الصحافة والعلوم السياسية. ولعل مراجعة سريعة لما قدمه غالى شكرى من كتابات نقدية ومقالات صحفية خلال فترة ظهوره الباكر على الساحة الثقافية منذ منتصف الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات تبرز الطبيعة المختلفة لهذه الكتابة؛ فهى كتابات دقيقة ومعبرة عن طبيعة صاحبها، والقضايا التى عالجها، والمنهج الذى اتبعه، والتحليل الذى مارسه، والنتائج التى توصل إليها وصاغها فى سلاسة وبساطة وعمق معا.
قبل حصوله على الدكتوراه من فرنسا فى سبعينيات القرن الماضى، كان غالى شكرى قد نشر على الأقل خمسة أو سبعة (ربما!) من كتبه النقدية التأسيسية المهمة التى ما زالت تحظى بالتقدير والاحترام فى أوساط النقاد والباحثين، فى تلك الفترة ثمة ظاهرة غريبة تخص كتابات غالى شكرى، لاحظتها من مراجعة أدبيات هذه الفترة (ستينيات وسبعينيات القرن الماضى)، كل كتاب أصدره غالى شكرى عن أديب أو كاتب أو مفكر من أعلامنا الكبار فى القرن العشرين، يكاد يكون من بين الخمسة الأهم التى كتبت عن هذا العلم أو ذاك (إن لم يكن فى نظر البعض هو الأهم بشروط المرحلة طبعا التى كتب فيها، وطبيعة التناول والمعالجة والرؤية) وليس ضروريا هنا أن تكون الأهمية بإطلاق متجاوزة شرطى الزمان والمكان، وعنصر التطور؛ إنما أقصد بالأهمية هنا أنه لا يمكن تجاوز ما كتبه غالى شكرى عن هذا الكاتب أو المفكر أو المبدع حين نعاود البحث والتنقيب والقراءة عن أى واحد منهم.
وكى لا يكون كلامنا مطلقا على عواهنه.. كتب غالى شكرى عن نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، وسلامة موسى، ومحمد مندور، ويوسف إدريس.. وغيرهم. لكنه اختص هذه الأسماء دون غيرها بكتب كاملة كانت فى صورتها الأولى؛ إما حوارات مباشرة مع أصحابها أو دراسات دقيقة وعميقة ومختلفة لكتاباتهم وأعمالهم، وكانت السمة الثانية المهمة التى تسم غالى شكرى فى هذه الأعمال هى تأطيرها السياقى؛ بمعنى وضعها فى إطار فكرى وثقافى تحليلى لا ينفصل عن غيره من الظواهر التى كانت تكون وتشكذل المشهد المصرى فى الثلثين الأخيرين من القرن العشرين.
على سبيل المثال؛ كان كتابه عن «سلامة موسى وأزمة الضمير العربى» أهم دراسة حقيقية وجادة عن هذا المفكر الذى ظلم وشوهت سيرته وناله من الهجوم الكثير وتم إقصاءه وتهميشه لأسباب ليس هنا محل تفصيلها. ثم كانت كتبه الأولى التى بحث فيها «الشعر العربى الحديث» و«الرواية العربية الحديثة» و«القصة العربية الحديثة» هى أهم ما تناول الأجنحة الثلاثة الكبرى المكونة للحياة الأدبية والإبداعية فى مصر وقت كانت تعج بالحركة والنشاط والإنتاج الجاد الرصين؛ فكانت هذه الكتب بمثابة خريطة نقدية ومسح تحليلى لأهم خصائص هذا الإنتاج ورؤية ووجهة نظر فى قراءته ونقده.
وكان كتابه عن نجيب محفوظ «المنتمى ـ دراسة فى أدب نجيب محفوظ» أول دراسة نقدية شاملة تغطى إنتاج نجيب محفوظ منذ بدأ نشر أول أعماله «عبث الأقدار» عام 1939 حتى روايته «اللص والكلاب» التى نشرها عام 1962. وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا فيما قدمه من رؤى وتحليلات وتفسيرات لا يهم إنما تبقى المرجعية والقيمة فى ضرورة قراءة ما كتبه حتى يمكن تجاوزه بطروحات أعمق وأكثر كشفا وإنارة.. (وللحديث بقية).