بإعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة، فتح حمدين صباحى الباب لانتخابات تنافسية نتمناها، وأسقط كل الهواجس والمخاوف حول فوز مرشح وحيد بالتزكية، وهو أمر لا يليق بالتأكيد بعد أن قام الشعب بثورتين وخلع رئيسين.
أتمنى أن يعلن آخرون من جميع التيارات بما فيها التيار الإسلامى خوضهم الانتخابات، وأن يقدم كل مرشح برنامجه وفريقه الرئاسى وخطة عمله وأولوياته للسنوات الأربع فى حالة فوزه، وسيكون علينا نحن المواطنين، أن ندرس ونقرأ ونقارن، مسلحين بخبرة انتخابات رئاسية سابقة، تنافس فيها سبعة مرشحين، بينهم ثلاثة اعتبروا أنفسهم مرشحى الثورة، واتجهت الأنظار نحو مرشحين اثنين تم تسويقهما فى الإعلام باعتبارهما الأوفر حظا، فإذا بالخيار الشعبى يذهب فى اتجاه آخر تماما، وتفاجئنا الصناديق بجولة إعادة بين شفيق ومرسى.
لا أستبعد أن يعلن التيار الإسلامى عن مرشح، خلافا لكل ما جرى ترديده خلال الشهور التى أعقبت إزاحة مرسى وجماعته، وقد يدفع ترشح صباحى الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح إلى أحد خيارين، إما إعلان ترشحه مستندا إلى دعم التيار الإسلامى على اختلاف أطيافه، أو الإعلان عن دعم صباحى باعتباره «مرشح الثورة»، متلافيا خطأ الانتخابات الرئاسية الأولى، وهو أمر ستكشف عنه الساعات القليلة المقبلة.
قلت من قبل، إن التوافق حول الدستور وإقراره بنسبة كبيرة أمر إيجابى، فالدستور وثيقة تعايش بين فئات المجتمع وأطيافه، ومواده لا تعكس فقط أولوياته ورؤاه للمستقبل، وإنما تقر حقوقا للمواطنة ينعم بها العائشون تحت وصايته دون تمييز، ولذا فإن ارتفاع نسبة الموافقة على الدستور والتى جاوزت 98% عكست حالة من الرضا العام على مضمونه، دعمها مشاركة أكثر من 20 مليون فى الاستفتاء عليه.
أما فى حالة الانتخابات الرئاسية فإن الأمر مختلف، نحن أمام برامج ورؤى وتصورات متباينة، لا يمكن أن تحظى باتفاق عام بين ملايين المصريين، حتى وإن اتفقوا على ما يحتاجونه،فإنهم سيختلفون حول سبل الوصول إليه.
بطبيعة الحال، فإن المرشحين جميعهم سيرفعون شعارات ثورة يناير «عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية»، وسيعدوننا بالاستقرار والأمن، أما كيف سيحققون ذلك، هذا هو ما يدعونه ببرنامج المرشح، وعليه، فإن الفوز باكتساح يجاوز الـ90% لا يعكس فقط فقرا فى البيئة السياسية، وإنما يحيل المرشح الفائز إلى مشروع حاكم مستبد.
أتصور أن أسعد الناس بترشح حمدين وآخرين، هو المشير السيسى نفسه، فالآن لدينا انتخابات تنافسية، ما ينفى كل ما قاله وكتبه خصومه طوال الفترة الماضية، عن تهيئة المسرح لمرشح المؤسسة العسكرية وإقصاء أى منافس آخر، أو ما يردده المتأسلمون من أنه ما ساند 30 يونيو وأزاح مرسى إلا ليجلس مكانه، وهى برأيى ادعاءات غير صحيحة، ستدحضها انتخابات نزيهة بين متنافسين، يسعى كل منهم إلى كسب رضا الناس.
أتممنا بنجاح إقرار الدستور، ونتمنى أن نحظى بمعركة رئاسية نزيهة ومحترمة، وأن يتنافس المرشحون فى الإعلان عن برامجهم وسبل تحقيقها دون الانتقاص من قدر منافسيهم أو الإساءة لهم، وأتصور أننا على الأقل تجاوزنا فكرة التكفير وإخراج المنافسين من الملة، وسنحتكم فقط إلى معايير الصواب والخطأ، وهو تطور مهم ما كان يمكن أن نصل إليه، لو لا سنة بائسة من حكم مرسى وجماعته.