فى شارعنا أناس طيبون، نذروا أنفسهم لخدمة الناس وقضاء حوائجهم، واعتادوا تقديم إعانات مستمرة للفقراء طوال العام فى منطقتنا والمناطق المحيطة بنا، طعام ومبالغ مالية وبطاطين وأدوية، ومساهمات لتزويج الفتيات والفتيان من غير القادرين، صورة رائعة للتكافل الاجتماعى والإحساس بالمحتاجين وتفريج الكرب عن المكروبين، يجرى ذلك طوال العام ودون تفرقة بين المسلم والمسيحى، ومن خلال زاوية أسفل عمارة ملحق بها جمعية خيرية أسمح لنفسى بذكر اسمها وهى جمعية «وإسلاماه الخيرية»، بالمنطقة السادسة بمدينة نصر، يشرف عليها اللواء متقاعد أحمد صالح، استطاع أن يحشد إلى جواره أناسا طيبين ومحترمين، أطباء ورجال أعمال ودبلوماسيين وموظفين، كرّسوا جهدهم ووقتهم لفعل الخير يبغون به وجه الله ورضوانه.
فى شهر رمضان الماضى شكا لى القائمون على الجمعية من عشوائية توزيع الإعانات على المحتاجين، وقد اكتشفوا ذلك بالمصادفة، حين ذهبوا إلى إحدى المناطق بمصر القديمة، فاكتشفوا أن عدة جمعيات توجّه إعاناتها إليها، فيما تئن مناطق أخرى من الفقر والجوع، ويتطلع قاطنوها إلى عطايا أهل الخير بعد أن تجاهلتهم الحكومات المتعاقبة، وتركوهم فريسة للفاقة والمرض وذل السؤال.
اكتشف القائمون على الجمعية أيضا أن شنط رمضان التى يتم توزيعها فى الشهر الكريم، والتى تحتوى على ما يكفى احتياجات أسرة من مواد غذائية لأسبوعين على الأقل، يتم بيعها فى السوق السوداء، أى أن الدعم الأهلى أيضا كالدعم الحكومى «لا يصل لمستحقيه»، ويتناثر الخيرهباء برغم صدق النوايا وحسن المقاصد.
جيرانى الطيبون يتساءلون وأنا معهم عن الدور الغائب لوزارة التضامن والعدالة الاجتماعية فى الإشراف على توزيع تبرعات أهل الخير، وهى كثيرة بحمد الله بطول المحروسة وعرضها، حتى نتمكن من تغطية أكبر مساحة جغرافية ممكنة من البلاد، والاستجابة لحاجات أهلنا فى قرى مصر ونجوعها البعيدة.
يتساءلون أيضا عن خرائط توزيع الفقر التى تم وضعها فى عهد النظام السابق، ومدى الاستفادة منها ومن أى جهد علمى آخر يرصد المناطق الأولى بالرعاية.
أضم صوتى إليهم وأتساءل عن مصير الملايين التى تذهب إلى الجمعيات الأكثر شهرة، والتى لا تنقطع إعلاناتها طوال شهر رمضان تحث الناس على التبرع، والتى تتجاوز تكلفة إعلاناتها مجتمعة بحسب تقديرات موثوقة، أربعين مليون جنيه.
أتساءل أيضا عن مصير دراسات علمية تعاملت مع ظواهر الفقر والجوع بجدية تستحقها، وقدمت حلولا لتخفيف حدتها والقضاء عليها كليا، ومازلت أحتفظ بدراسة للدكتور شوقى الفنجرى، تتناول ظاهرة موائد الرحمن الرمضانية وكيفية تحويلها إلى مطاعم دائمة تقدم الغذاء للفقراء والمحتاجين طول العام، بأقل تكلفة ممكنة، وبالمجان للأشد احتياجا منهم.
صدقونى، النزاع على صينية الأكل أولى بالرعاية من النزاع على صينية التحرير.
ودمتم.