بدت السينما الأمريكية والأوروبية بالغة الشغف بالحكايات العربية والمعروفة بألف ليلة وليلة بشكل قوى للغاية فى السنوات الأولى من صناعة السينما حتى منتصف القرن العشرين، وذلك بعد الإعجاب المدوى للترجمة الإنجليزية والفرنسية للكتاب الشرقى الذى ترجم من اللغات الشرقية، لعل دور المترجم الأجنبى هنا تعدى حدود النقل وتحول إلى مبدع، فأضاف حكايات عربية أكثر منها هندية صارت هى الأكثر شهرة لدى القارئ الأجنبى، ومنها حكايات علاء الدين والمصباح السحرى، وأيضا على بابا والأربعين حرامى، بالإضافة إلى قصص رحلات السندباد التى توجد فى الكتاب الأصلى، هى حكايات جذابة جدا حول المغامر العربى، العاشق، الباحث عن الحقيقة والعدالة ضد الطغاة والذى يفوز فى النهاية بحبيبته التى تعددت أسماءها، ومن بين الذين كتبوا أعمالهم متأثرين بالأجواء الشرقية هو الكاتب المسرحى إدوارد كنوبلوك الذى عاش فى القرن الثانى عشر، وكتب مسرحية كوميدية تحمل اسم قسمت وهو اسم له جذور عربية وتركية تعنى إتمام الزواج أو القسمة والنصيب، وقد تحولت هذه القصة إلى أفلام أمريكية عديدة، منها فيلم «قسمت» 1944 بطولة مارلينه ديتريش وإخراج وليام دتيريل، ثم الفيلم الملون بالاسم نفسه إخراج فانسات منيلى 1955، وقد شكلت هذه الأفلام ظاهرة لن تتكرر أبدا لتمجيد البطل العربى القديم فى أفلام منها «لص بغداد» والبساط السحرى، و«ألف ليلة وليلة».
أعترف أننى كنت لا أعرف أى شىء عن العلاقة بين «قسمت»، والفيلم المصرى «ألف ليلة وليلة»، إخراج حسن الإمام 1964 حتى جاءتنى الفرصة لأستمع إلى نص المسرحية فى البرنامج الثقافى، وذلك لأننى أعرف دوما أن الأصل هنا عربى، أى أننا حتى لو اقتبسنا هذه القصص فإننا نردها إلى ثقافتها الأصلية، لكن كل من قسمت وعلاء الدين وعلى بابا، شخصيات شقية أبدعتها العقلية الغربية وغير موجودة بالمرة فى الثقافة الشرقية المكتوبة، وبالتالى فإنه يجب إعادة الرؤية لفيلم «ألف ليلة وليلة» لحسن الإمام.
السينما المصرية أيضا وقعت فى حب هذه القصص فقدمت فى الأربعينيات أفلاما عن «ألف ليلة وليلة» بطولة على الكسار وبحبح فى بغداد بطولة فوزى الجزايرلى، و«حلاق بغداد» بطولة اسماعيل يس، و«ست الحسن» بطولة سامية جمال، ثم فى منتصف الستينيات فيلم حسن الإمام الذى قام ببطولته فريد شوقى فى دور الحاوى، بديلا عن الشحاذ فى النص الأصلى وقام بالبطولة عمرو الترجمان فى آخر ظهور له على الشاشة، الفيلم مستوحى من قسمت فـ«ألف ليلة وليلة» هنا تخلو تماما من أجواء الفانتازيا وتدور الأحداث فى قصور الحاكم ببغداد وصراعات حول السلطة والحب فنحن هنا أمام أمير ينزل إلى الشوارع ليلا ويتعرف على ابنة الحاوى الذى تتصوره فقيرا وتقع فى حبه وتطور العلاقة إلى أن تكتشف حقيقة الأمير ذى الوجهين.
مدخل فهم هذه العلاقات بين الفيلم هو أن كاتب السيناريو محمد مصطفى سامى أحد الكتاب المقربين جدا للمخرج وعمل معه فى أكثر نصف أفلامه يقتبس له النصوص الأجنبية خاصة الفرنسية أو النصوص المصرية الأدبية، ما يؤكد أنه توقف عند قسمت سواء المسرحية أو الأفلام ووضع من عنده سيناريو جديد ملىء بالشخصيات والقصص والمؤامرات والدسائس، والغريب أنه رغم هذا العدد الكبير من النجوم والممثلين فإن الفيلم لم يحقق أى متابعة نقدية أو مشاهدة وهو من أوائل الأفلام الملونة فى عام 1964، ولا شك أن الكتابة المقارنة عن كل هذه المصادر والفيلم المصرى تحتاج إلى المزيد من القراءة والمشاهدة، وأكاد أجزم أن «ألف ليلة وليلة» السينمائية تحتاج إلى دراسات متعمقة فى كتب على غرار ما فعلته الدكتورة سهير القلماوى والناقد العراقى الدكتور محسن جاسم الموسوى فى الدراسات الأدبية المقارنة، وربما تجذبنى هذه الظاهرة لأكرس لها وقتى فى الشهور القادمة.