عندما رحل صديقى صالح مرسى سمعت أكثر من ناقد يردد أن النقاد ظلموا هذا الكاتب الكبير بعدم متابعته كما يليق به، وكان مرسى قد حصل على تقدير شعبى عربى كبير بفضل نجاح أعماله عن التجسس لدرجة أنه تفرغ لهذا النوع من الكتابة وترك الأنواع التى بدأ بها حياته الأدبية، والغريب أن أهم كتاب فى حياة صالح مرسى لم يكتبه حتى وفاته، وهو السيرة الخاصة به فهو أشبه بالشاعرين الفرنسيين آرثر رامبو وفيرلين اللذين عاشا فى عالم الصعلكة قبل أن يعتزلا الكتابة؛ لكن صالح مرسى عاش وكتب واستطاع أن ينقل بعض تجاربه الحياتية فى أعمال أدبية مثل رواية «الكداب» التى نشرها فى دار «رزواليوسف» والتى تحولت إلى فيلم سينمائى إخراج صلاح أبو سيف عام 1975، وحسب صداقتى العميقة بالمؤلف فإنه بدأ حياته فى محطة قطار كفر الزيات حيث ركب أول قطار قادم دون يعرف وجه هذا القطار فنزل إلى الإسكندرية، وعاش حياة التشرد والصعلكة وعمل بحارا فوق إحدى السفن ثم التحق للعمل بالصحافة عام 1958. وكان هو صاحب أول رواية عن ثورة اليمن، فكتب رواية نشرها فى المجلة لكنه لم ينشرها أبدا فى كتاب.
أذكر أننى استمعت إلى مسلسل إذاعى باسم الكداب فى عام 1966 من بطولة صلاح قابيل الذى تقمص شخصية الصحفى الذى يحارب الفساد ويضطر إلى أن يعمل فى المقهى الشعبى بحى السيدة زينب لعدة أيام كى يكتشف حقيقة إحدى جرائم الفساد التى تدور فى الشركات. كان الفيلم بطولة محمود ياسين، وكم كنت أفضل أن تسند البطولة إلى قابيل أحد الذين تضررو كثيرا بظهور جيل السبعينيات فى عالم النجومية، خاصة محمود ياسين، الذى لم يكن سيئًا بل كان له جاذبية شعبية، وفى هذا الفيلم أيضا تعرفنا على الصحفى سعيد عبدالغنى الذى اتجه للتمثيل بجانب مهنته الأصلية كما أن المخرج أسند أول بطولة للفنان المهاجر جميل راتب ليقوم دور الفاسد وليصبح واحدًا من الأشرار الجدد بعد أن انحصرت الأضواء عن نجوم الحركة مثل محمود المليجى وتوفيق الدقن ومن الواضح أن الرواية تأخرت لكى تتحول إلى فيلم فمثل هذه الحكايات عن الفاسدين كانت منتشرة قبل زمن الانفتاح وبعده وفى الفيلم فإن الصحفى يذهب للعمل فى المقهى ويكون أول جزاء له هو صفعة قوية من صاحب المقهى لتنبيهه بأنه فى مهنة مختلفة ويجب المقارنة بين طريقة التمثيل عن كل من النجمين المشار إليهما والصحفى فى الفيلم كان عمله أن يكشف لنا أنه (قهوجى) بارع وليس صاحب قلم ومن قبيل المصادفة أن حبيبة الصحفى كانت تسكن فى نفس الشارع الذى به المقهى وتلك المهنة كان يجب أن ينتبه إليها صلاح أبوسيف لكن صالح مرسى كان هو كاتب السيناريو حيث مارس الكتابة السينمائية دوما فى أعماله ومنهم زقاق السيد البلطى كما أنه مارس الكتابية الإذاعية للعديد من الدراما ومنها الصعود إلى الهاوية التى تحولت إلى عمل إذاعى بصوت العرب وهى النص القصير الذى أخرجه كمال الشيخ عام 1978 وعلى أساسه تملك اعتماد ما يسمى بدراما التجسس وقد سمح للمؤلف أن يطالع ملفات بعض المندوبين ويحوله إلى روايات ثم إلى أفلام ومسلسلات تليفزيونية وكان ذلك سببا أن يتخصص صالح مرسى فى هذه الكتابة ولا أريد الإبحار فى هذه النقطة فالنقاد عادة ما يرون أن الكتابة فى التجسس هى نوع أدبى وليست أدبا لكن السؤال المطروح الآن، أين كتابات هؤلاء النقاد عن أعمال المؤلف الأخرى التى تضعه فى مصاف الكتاب الجيدين؟.