التفاحة والجمجمة - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 15 مارس 2025 6:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

التفاحة والجمجمة

نشر فى : الجمعة 7 مارس 2025 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 مارس 2025 - 8:10 م

 نشر الكاتب الساخر محمد عفيفى هذه الرواية فى منتصف الستينيات مسلسلة على صفحات مجلة الكواكب، والحقيقة أنى تابعت هذا النص بشغف شديد، إعجابا باللغة، والمواقف الظريفة، وكم تخيلت شخصا أمامى ينطق اسم الممثلة زازا «ظاظا»، بطريقته الخنفاء، كنا نعرف محمد عفيفى كاتبا ساخرا فى مؤسسة أخبار اليوم، وقد قرأت له أيضا رواية باسم «حكاية بنت اسمها مرمر» التى تحولت أيضا إلى فيلم أخرجه بركات، بطولة محمود ياسين وسهير المرشدى، وكان فيلما واقعيا عاطفيا، ثم نشرنا له فى سلسلة روايات الهلال رواية باسم «تمارا» بعد وفاته، إذن فنحن أمام كاتب جذبته الصحافة أكثر من الإبداع الأدبى، وفى كل رواية كان هناك مذاق خاص يتسم به الكاتب، وأغلب هذا المذاق أنك قليلا ما تجد السخرية، حتى أبطال التفاحة والجمجمة «الذين يتصرفون بما يثير الفكاهة»، لكنهم فى مأساة تكشف ضعف كل منهم أيا كانت قوته.

هذا النوع من النص يصلح له الكتابة التى يمكن تسميتها بالخلاص، أو تصفية الحساب مع النفس، فنحن أمام عدد قليل جدا من الأشخاص تحبسهم جغرافيا فى مكان محدود، وعليهم أن يواجهوا بعضهم البعض من أجل التواجد، خاصة أن واحدا منهم يمتلك مسدسا، هذا المسدس به طلقة واحدة، ما يعنى سلطة القتل والتخلص من الغريم، حتى وإن كان هذا الغريم هو عدد قليل من الأشخاص، أما «زازا» فهى ممثلة تخيلها المؤلف على غرار نساء بالغات الحسن والجمال والفتنة، خاصة مارلين مونرو أو هند رستم، خاصة أن هذا الدور جسدته ممثلة جميلة هى إيمان، أو ليز ساركسيان، فى الفيلم الذى أخرجه محمد أبوسيف عام 1986، وشارك فى البطولة حسن يوسف وأنور إسماعيل وعبدالله سعد وإبراهيم نصر.

هذا النوع من الأعمال الأدبية أقرب فى صورته إلى مسرحية «الجحيم هو الآخر» التى كتبها جان بول سارتر، وفيها رجلان وامرأة فى زنزانة ويدور الصراع حول امتلاك المرأة غريزيا وفكريا، ويكون تواجد الآخر دائما بمثابة تعذيب حقيقى للطرفين الأساسيين، والجدير بالذكر أن صلاح أبوسيف والد المخرج قد أعجبته مثل هذه الفكرة فقام بكتابة سيناريو فيلم «البداية» 1986، مع لنين الرملى، مع بعض الاختلافات حيث سقطت طائرة فوق جزيرة، ودار صراع حول معنى الديمقراطية بين هؤلاء الناجين الذين وقعوا تحت سيطرة نبيه الذى سعى إلى تكوين دولة تخص مفهومه السياسى الخاص.

فى التفاحة والجمجمة، يحاول كل الرجال السيطرة على الجزيرة «هى مؤنث» والأنثى، المرأة التى تعيش فى العراء لا تطمع سوى فى جسد يحميها ويضمن لها الأمان، رغم أنها تحب المهندس الذى يرمز إلى الرقى والثقافة، فإنها تنجذب إلى غريزتها الأنثوية وتقبل الزواج من المعلم، ثم لا مانع أن تتزوج من شخص آخر، إلى أن تأتى النجاة فى النهاية بعد أن يكون كل منهم قد كشف إلى أى مدى هو وغد، وإلى أى حد هو غير إنسان.

بالنسبة لى، فعندما قرأت هذا النص فى الثمانينيات، لم أكن أتصور أبدا أن أبطال الفيلم كما شاهدناه فيما بعد يصلحون لتلك الشخصيات، لكن أحمد مظهر فى أوائل السبعينيات جسّد دور المهندس فى مسرحية مأخوذة عن هذا النص، وللآسف لم أشاهدها فبالتالى لا أستطيع الكتابة عنها، لكن كل ما يمكن قوله أن الفيلم بدا شبيها بطبق دسم متكامل تنقصه «المزة والملح»، وإن كنت دائما شديد الإعجاب بالممثلة إيمان التى ظلمتها السينما المصرية ومنحتها أدوارا أقل من موهبتها.

ترى ماذا كان يمكن أن يحدث لهذا النص لو تولى صلاح أبوسيف بعينيه الراصدتين، وعقليته العاشقة للأدب العالمى والمصرى، وحمل مسئولية هذه الرواية، لا شك أن حبه الشديد لابنه جعلنا نفتقد إلى مذاق الأب الذى اعتدنا عليه فى أغلب أفلامه التى غيرت خريطة السينما المصرية، والآن وبعد 40 عاما من إنتاج هذا الفيلم فمازلت أرى أن النص الأدبى كان أعظم بكثير من الفيلم الذى تحول إلى عمل كارتونى.

التعليقات