كانت واشنطن ضمن أولى العواصم التى زارها زعيم حركة النهضة، ذات المرجعية الإسلامية، السيد راشد الغنوشى، عقب فوزها فى الانتخابات البرلمانية التى شهدتها تونس خلال شهر أكتوبر الماضى. وخلال ندوات ومقابلات عديدة، بعضها مغلق وبعضها علنى، أجاب السيد الغنوشى على عدة أسئلة مهمة تتعلق بتوجه الحكومة التونسية الجديدة تجاه قضايا عديدة تهم العالم الخارجى، إلا أنه لم يوجه للجانب الأمريكى أسئلة تذكر.
ومنذ الإعلان عن نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب، والتى حققت فيها جماعة الإخوان المسلمين انتصارا كبيرا مشابها لانتصار حركة النهضة التونسية، تتساءل دوائر عديدة فى واشنطن عن موعد قيام قادة الجماعة بزيارة واشنطن، وهى الزيارة التى ستكون تاريخية بكل المقاييس كون الجماعة تمثل أكبر وأهم الحركات الإسلامية، وهى الأكثر تنظيما وتأثيرا واستمرارا فى العالم.
وقبل حدوث مثل هذه الزيارة التاريخية التى يترقبها الكثيرون، على قادة الجماعة الاستعداد جيدا للحديث مع العالم الخارجى.
وتظهر مؤشرات متكررة على ارتباك دوائر صنع القرار فى واشنطن فى التعامل مع ما تراه «معضلة الإخوان المسلمين». ويبدو فى الوقت نفسه أن هناك ارتباكا آخر داخل جماعة الإخوان يتعلق برؤيته لمستقبل علاقاتها، وعلاقة مصر مع أهم القوى الدولية، إن لم تكن أقواها على الإطلاق، على الأقل فى الوقت الحالى.
ومنذ تمتع جماعة الإخوان بالشرعية القانونية فى مصر عقب سقوط حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، سارعت واشنطن بإعلان رغبتها فى بدء إجراء اتصالات رسمية مباشرة مع ممثلى جماعة الإخوان المسلمين، ورحبت الجماعة فى الوقت نفسه بمثل هذا التواصل مع واشنطن.
وترى الإدارة الأمريكية أن اتصالها وتواصلها مع جماعة الإخوان يخدم المصلحة والسياسيات الأمريكية، وهذا حقها. من جانبها، يجب أن يكون هدف تواصل جماعة الإخوان مع واشنطن وغيرها، يتمحور حول خدمة مصالح مصر، شعبا ودولة.
ويقع الآن على جماعة الإخوان المسلمين عبء إقناع العالم أنها تمثل الوسطية الإسلامية السياسية المقبولة، خاصة مع تحقيق القوى السلفية المتشددة نجاحات كبيرة فى الانتخابات المصرية. حان الوقت لجماعة الإخوان وحزبها السياسى لأن تبلور إستراتيجية سياسية واقعية تجاه التعامل مع واشنطن تقوم على أساس المصلحة المصرية، سواء حكم الإخوان مصر أو شاركوا فقط فى الحكم.
وخلال السنوات القليلة الماضية لم يتوقع أكثر قادة الجماعة تفاؤلا المشاركة فى حكم مصر. ولذا غاب عن أدبيات الجماعة ما يمكن أن نطلق عليه إستراتيجية خارجية تقوم على خدمة مصالح الدولة المصرية. وقد كان قادة الجماعة يؤكدون مرارا فى السابق أنهم لا يؤيدون الدخول فى حوارات مع المؤسسات الرسمية فى دول الغرب إلا تحت مظلة وزارة الخارجية المصرية.
على الجماعة أن تستعد لتقديم إجابات عن عدة أسئلة تهم بصورة كبيرة العالم الخارجى، إلا أنها فى الوقت نفسه، تهم وبصورة أكبر، جموع الشعب المصرى فى هذه المرحلة الحاسمة فى تاريخه.
ومن بين العديد من الأسئلة المهمة التى يجب على الإخوان تحضير إجابات عنها قبل القدوم إلى واشنطن:
هل نتوقع أن تستمر علاقة التحالف الخاصة بين مصر والولايات المتحدة، والتعاون الاستخباراتى والأمنى بين الدولتين إذا سيطر الإخوان المسلمون على الحكومة المقبلة؟ أو شاركوا فيها؟
هل ستعترف الجماعة بإسرائيل؟ وهل تؤيد الجماعة توفير دعم مادى لجماعة حماس وحزب الله؟
هل ستقبل الجماعة أن تستمر مصر فى الحصول على مساعدات وقروض من البنك وصندوق النقد؟
هل ستسمح حكومة إخوانية لمنظمات أمريكية مثل المعهدين الجمهورى والديمقراطى بالعمل فى مصر؟
ماذا عن موقف الجماعة من المساعدات الخارجية المقدمة للمجتمع المدنى والجماعات السياسية والإعلامية سواء جاءت من واشنطن أو من الرياض أو من الدوحة؟
هل ترغب الجماعة فى استمرار منح واشنطن مساعدات عسكرية للجيش المصرى تقدر بـ1.3 مليار سنويا؟
ما هو رأى الجماعة فى اتهام البعض لهم، داخل مصر وخارجها، بالسعى لإقامة خلافة إسلامية، كهدف أسمى لعملهم السياسى؟
وقبل أن ترد الجماعة، يجب أن يذكر قادة الإخوان لدوائر واشنطن أن ما ذكره السيناتور ريتشارد لوجار، والسيناتور مارك كيرك، أخيرا، من ضرورة أن تقوم «الولايات المتحدة بما فى وسعها من أجل منع جماعة الإخوان المسلمين الراديكالية من الوصول لحكم مصر» يمثل عملا غير ديمقراطى، بل يصل لحد الإرهاب السياسى. على قادة الإخوان تذكير واشنطن أن نمط العلاقات الذى جمعها بالديكتاتورية الحاكمة المصرية فى الماضى لن يتكرر. ومن الأهمية عدم مغالاة قادة الجماعة فى تقدير حجم النفوذ الأمريكى، كما كان يحدث من النظام السابق. على الإخوان إدراك أن الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تخاطر بتعريض علاقاتها الخاصة مع من يحكم مصر للتدهور. على الإخوان أن يستغلوا ما تتعرض له المنطقة حاليا من حالة عدم استقرار غير مسبوق نتيجة الثورات العربية المستمرة، وقرب اكتمال انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية هذا الشهر، إضافة إلى استمرار التوتر مع إيران، وتوقف ملف التسوية السلمية فى الصراع العربى الإسرائيلى، للضغط على الولايات المتحدة بما يخدم مصالح مصر الإستراتيجية.
على قادة الجماعة أن تدرك أن ثورة مصر وديمقراطيتها الوليدة تمنحهم فرصة استغلال كارت الضغط الشعبى والرأى العام المصرى فى التعامل مع الخارج.
على قادة الإخوان تجنب سقطات السيد راشد الغنوشى، والتى أخذته للحديث داخل المعاقل الفكرية لأكثر أنصار إسرائيل تشددا فى الولايات المتحدة، السيد الغنوشى لم يرد ويعلن أراءه فى تنظيم حماس، واختار أن يقول ما يرضى الأمريكيين.
على قادة الإخوان ألا يغيروا قناعاتهم مرضاة لأمريكا أو غيرها، عليهم تذكير دوائر العالم أن جموع الشعب المصرى أصبح أهم لاعب فى الحياة السياسية الجديدة، وأن مستقبل مصر ستقرره حوارى وشوارع مصر، وليس قاعات ودهاليز واشنطن.