أولادى - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أولادى

نشر فى : الجمعة 11 ديسمبر 2020 - 7:55 م | آخر تحديث : الجمعة 11 ديسمبر 2020 - 7:55 م

يعتقد البعض أن أحمد كامل مرسى هو أبرز مخرج اهتم بالقصص السينمائية التى تدور داخل محيط العائلة، ولكن اكتشاف أفلام قديمة مجهولة يعيد رسم الخريطة، ومن بين هذه الأفلام «أولادى» إخراج عمر جميعى، وهو الفيلم الأخير للمخرج عام 1951، من بطولة مديحة يسرى وزكى رستم وشادية، كانت الفترة التى عمل فيها جميعى فى الإخراج قصيرة للغاية أفرزت عن ستة أعمال قام بكتابة أغلبها بمفرده واشترك مع آخرين فى كتابة البعض الآخر، ومن أمكنه متابعتها يدرك أنها أفلام عائلية الموضوعات لا تخرج عن أفراد العائلة الواحدة، وهى عائلات صغيرة، فى داخلها مشاكل تهدد بانفساخ العلاقات الحميمة، وأغلبها مشاكل خاصة بالزواج ودخول شخص غريب إلى البيت، مثل فيلم «وداعا يا غرامى»، و«الأب»، و«السحينة رقم 17»، وتوفى فى السنة التى أخرح فيها «أولادى»، ومن الواضح إعجابه بزكى رستم الذى أسند له بطولة فيلم «الأب»، وهو الفيلم الذى تمت إعادة إنتاجه باسم «أعز الحبايب» فى بداية الستينيات.
كل ما لخصناه عن الفيلم العائلى يبدو واضحا فى «أولادى»؛ حيث تبدأ الأحداث وتنتهى بالخادم وهو يقوم بتلميع النحاسة التى عليها اسم الفيلا، والتى سوف ندخل إلى عالمها بدخول هذه الوافدة الغريبة عن الدار، زهرة التى تجسدها مديحة يسرى، وما بين المشهدين تعيش الأسرة أحداثا كثيرة مؤلمة، ونعرف تفاصيلها، فى مشهد البداية تأتى زهرة إلى الفيلا طالبة فرصة للعمل كخادمة، وهى التى تتوغل فى البيت، حتى تصبح سيدته، بعد أن ماتت سيدة المنزل تاركة زوجها وثلاثة أبناء، والحقيقة أن المرأة الشابة التى جاءت بدت مشدوهة كثيرا بالبيت وأهله، وهى التى تعرضت لتجربة زواج وفشل ملحوظ، فتفانت فى خدمة الجميع، حتى إذا ماتت الزوجة، بدأت فى التغير بدون عمد، ثم صارت امرأة طاغية تدبر المقالب، وتطرد الأبناء، وتخون الزوج، والحقيقة أننى لم أستسغ هذا التحول الحاد فى سلوك المرأة لأنه ظهر بشكل مفاجئ، وأنا الذى اعتدت عدم انتقاد أى سلوك للشخصيات فى الأفلام بسبب التغيرات المفاجئة، خاصة أننى تذكرت ما حكاه يوما أحد زملاء المهنة أن خطيبته فور التوقيع على عقد الزواج حتى تحولت إلى امرأة متسلطة غيرت حياة زوجها إلى جحيم انتهى بالطلاق بعد فترة، لعل فى هذا درس لمن يمارسون النقد، ويتوقفون عند التحولات الحادة غير المبررة فى سلوك الأشخاص، وليس هذا رأى لى وحدى فقد قرأته أيضا عن هيتشكوك، أكثر المخرجين تعاملا مع الأشخاص سريعى التحولات، وعليه فإن التغير الذى أصاب الخادمة الشابة بعد أن صارت زوجة للعجوز الثرى، وأقنعته أن لقاءهما فى غرفته تلك الليلة أسفر عن حمل، وكانت تكذب، هو أمر لا يفسد الفيلم، بل يبدو طبيعيا للغاية.
نحن فى أجواء أقرب إلى المسرح الفرنسى، فأغلب الأحداث تدور فى الفيللا الفخمة؛ حيث تسكن العائلة، أو حسب اسمها فيللا السعادة، ولا يكاد المكان يتحرك، فالابنة الكبرى مخطوبة لجارها الذى يعمل بالقضاء، والأب لا يكاد يغادر مسكنه، ولا نعرف ماذا يعمل بالضبط، لكنه البيه المقتدر، الذى يحب أولاده، ويبدو بالغ المرونة معهم، يراضى ابنه الوحيد المدلل، ويبدو وقورا فى سلوكه، لذا فما أن عرف أن زهرة حملت منه، حتى يقف معها ويطلبها للزواح، وهنا فقط تبدأ الأحداث فى السخونة، فالأبناء لا يريدون لأبيهم أن يتزوج من الخادمة، بقيادة الكبرى كريمة، ودفاعا عن نفسها فإن المرأة تتصرف بالتواء وتكتشف أنها تكسب الجولة بالمكائد التى تفسد بين الأب وأسرته، ويتصرف على غير عادته، لدرحة استعمال العنف مع ابنته، وحسب القصة فإن زهرة تتمادى فى الشر، وتخون زوجها العجوز مع طليقها حين تلتقيه مجددا، وفى العادة فإن السينما المصرية ترى أن الحل الأمثل لمثل هذه المرأة أن تموت مقتولة، وأن توجيه الاتهام إلى كريمة أمر منتظر، فهى التى رددت أكثر من مرة أنها سوف تقتل زهرة، زوجة الأب بأى ثمن، لكن عادة ما يكون القاتل مفاجأة.
فى بداية الفيلم تأتى الخادمة وتسأل عم مرسى عن زوجة إبراهيم، وتخبره أنها اللوانجية الجديدة، وهو مصطلح لم نسمعه من قبل، ولا أعرف مصدره، ولا متى انتهى استخدامه، وقد جسدت مديحة يسرى دور اللوانجية للمرة الأولى، لكنها سرعان ما تحولت إلى زهرة هانم، وكم أشعر بقوة شخصية هذه الممثلة، هى وفاتن حمامة، إذ إن كل منهما حققت طريقها باقتدار وسط النجوميات التى تحققت لمطربات الأفلام، مثل شادية التى جسدت هنا دور الابنة الكبرى كريمة والتى تعانى من الظلم الاجتماعى فى الكثير من أدوارها فى تلك الفترة، وهى التى كان لها قبول ملحوظ ما زاد الإقبال عليها؛ حيث تقوم مديحة يسرى بدور الفتاة قوية الشخصية التى من السهل أن تشارك فى القيادة مثلما رأيناها فى «الأفوكاتو مديحة»، «بنات حواء»، أما زكى رستم فرغم قوته كممثل فإنه هنا يبدو كأنه لم يبذل مجهودا فى أداء شخصية الأب الطيب، خاصة لشادية مثلما حدث فى «معلش يا زهر»، وأقول ذلك لأن الممثل كان فى حالة تألق شديد فى فيلم «هذا جناه أبى»، وهو يقوم بدور المحامى، ويبدو كأن الممثل لم يكن فى حاجة لبذل أى مجهود وهو يكرر أداء شخصية الأب، مع ملحوظة أن عمر جميعى أسند إليه دورا أفضل فى أفلامه السابقة.

التعليقات