الشخص متعدد التخصصات - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشخص متعدد التخصصات

نشر فى : السبت 12 مارس 2022 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 12 مارس 2022 - 7:50 م

هل نحن فى عصر التخصصات الدقيقة؟ أم على العكس نحتاج إلى أشخاص متعددى التخصصات؟ الإجابة ليست بالسهولة التى قد تتصورها وقد ناقشنا بعض جوانبها فى مقالات سابقة. اليومين سنقدم الرأى والرأى الآخر فيما يتعلق بالتخصص الشديد أو تعدد التخصصات. أهمية مناقشة هذه النقطة أنها تؤثر على الطريق الذى يسلكه الطالب فى تعليمه وعلى طريقة التعلم فى الجامعات سواء فى مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا.
الرأى المدافع عن التخصص الشديد يعتمد على الاعتقاد المنتشر بين الناس الذى يقول إنه إذا لم تركز فى تخصص واحد فلن تبرع فى شىء وهذا معناه عدم تحقيق النجاح فى الصناعة أو فى البحث العلمى، فى الصناعة لأن الشركات الكبرى متعددة الجنسيات تريد أغلب العاملين (وليس كلهم) أن يكونوا مثل الترس فى الماكينة الضخمة والترس له وظيفة واحدة ويجب أن يعملها جيدا، وفى البحث العلمى فإن إنتاجك العلمى وهو الأبحاث المنشورة يجب أن يضيف جديدا لفرع دقيق من العلم وهذا يستلزم التخصص الشديد فى نقطة صغيرة. هناك كتاب شهير للكاتب الكندى البارع ملكوم جلادويل اسمه (The Outliers) أو «المتميزون» ويطرح فكرة أنك حتى تكون على مستوى عالمى فى تخصص ما عليك بالتدريب على هذا التخصص لمدة عشرة آلاف ساعة، وقد جاء جلادويل بهذه الفكرة من بحث منشور تحول بعد ذلك إلى كتاب لأستاذ علم النفس أندرز إيريكسون والذى تتركز أبحاثه فى مفهوم التفوق عند البشر، فكرة العشرة آلاف ساعة لها المدافعون عنها والمهاجمون لها ومازال الجدل مستمرا. أيضا يرى البعض أن العلم فى عصرنا أصبح شديد التعقيد حتى إنه من الصعب جدا الإلمام بتخصص واحد بالعمق الكافى ناهيك عن عدة تخصصات.
أما الرأى الآخر المنادى بتعدد التخصصات فيسنده أدلة تاريخية، إذا نظرنا فى سيرة بعض العلماء العظام فى تاريخ العلم منذ عصر النهضة وحتى الآن لوجدنا ليوناردو دافنشى المهندس والمخترع والفنان والذى برع فيها جميعا وسيرته مكتوبة ببراعة فى كتاب عنه من تأليف والتر ايزاكسون، سنجد أيضا جون فون نيومان والذى له إسهامات عظيمة فى تصميم الحاسبات والرياضيات وميكانيكا الكم بل والتنبؤ بحالة الجو، سنجد أيضا العالم الألمانى العظيم جوتفريد لايبنز الحاصل على الدكتوراه فى القانون ومبتكر علم التفاضل والتكامل (بالتزامن مع نيوتن)، سنجد أيضا هربرت سايمون الحاصل على جائزة تيورنج (أعلى جائزة فى علوم الحاسبات) لإسهاماته فى وضع أسس الذكاء الاصطناعى وحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد وعلى الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفارد فى القانون، الأمريكى كلود شانون له إسهامات كبيرة فى تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعى وتصميم الحاسبات، القائمة تطول حتى لا تظن أنهم حالات خاصة، لاحظ أنه قد يكون هناك علماء مستواهم العلمى يتماثل مع الحاصلين على نوبل لكنهم لم يحصلوا عليها لسبب أو لآخر وتاريخ العلم به أمثلة من ذلك أى أنه قد يكون هناك الكثيرون من متعددى التخصصات لكننا لا نعرف عنهم شيئا لأنهم لم يفوزوا بجوائز عالمية وإن كان لهم إسهامات عظيمة، عندنا فى مصر الدكتور محمد كامل حسين وهو رائد جراحة العظام وأديب فى نفس الوقت، إذا فالشخص متعدد التخصصات ليس متوسط المستوى أو ضعيف المستوى فى كل التخصصات.
التخصصات هى حوائط وضعناها بأنفسنا حتى يتسنى لنا تقسيم الجامعات إلى كليات وأقسام إلخ لكن العلم سائل رقراق لا يحده تخصص، أيضا هناك اعتقاد أن الخبرة المكتسبة فى مجال ما لا يمكن ومن الصعب جدا نقلها لمجال آخر وهذا خطأ لأن الكثير من الأفكار العلمية العظيمة تولدت من تلاقى أكثر من علم أو تخصص، العلوم الجديدة تولد على يد متعددى التخصصات فمثلا من تلاقى علمى الأحياء والاجتماع ولد علم يسمى (sociobiology) على يد إدوارد ويلسون، تقدُم العلم على مر العصور يحدث عن طريق هؤلاء العلماء متعددى التخصص وحتى لو حصل أحدهم على جائزة فى تخصص دقيق فلو بحث لوجدت أن هذا الاكتشاف جاء من خبرات مكتسبة من تخصص آخر، أحد آباء علم اللقاحات وهو الفرنسى لويس باستور لم يكن طبيبا بل كيميائيا، مارى كورى حاصلة على جائزتى نوبل فى الكيمياء والفيزياء.
الصعوبة الحقيقية هى وضع تلك التخصصات بجانب بعضها عندما تدرسها حتى ترى كيف تترابط وتتكامل.
السؤال الآن: ما هو الأسهل أن تكون من أفضل واحد بالمائة فى تخصص واحد؟ أم أن تكون من أفضل عشرين بالمائة فى تخصصين أو أكثر؟ الإجابة تختلف من شخص لآخر لكنى شخصيا أعتقد أن الثانية أفضل.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات