صكوك رأس شقير.. أين المشكلة؟ - محمد بصل - بوابة الشروق
السبت 14 يونيو 2025 4:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

صكوك رأس شقير.. أين المشكلة؟

نشر فى : الخميس 12 يونيو 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الجمعة 13 يونيو 2025 - 11:04 ص

هل يمثل نظام الصكوك بحد ذاته مشكلة فى سياق استخدامها لسد عجز موازنة مصر المُرهقة؟ أعتقد أن معظم القلقين من القرار الجمهورى الأخير بتخصيص أكثر من 41 ألف فدان فى رأس شقير الواقعة على خليج السويس بالبحر الأحمر لا يعترضون على الصكوك كأداة مالية لجذب فئات جديدة من المستثمرين المتمسكين بأحكام الشريعة الإسلامية، على مبدأ «الغنم بالغرم» واحتساب العائد المتغير ربحا وخسارة.

فى مطلع 2013 صدر أول قانون للصكوك ولم يًطبق أبدا، ثم صدر القانون 138 لسنة 2021 لتنظيم إصدار الصكوك السيادية وعمليات التصكيك والرقابة الشرعية عليها، وحدد وزارة المالية كجهة حكومية وحيدة مختصة بتلك الطروحات. وفى مطلع 2023 أعلنت الوزارة نجاح أول طرح بقيمة 1.5 مليار دولار وبلغت قيمة الاكتتاب الإجمالية 6.1 مليار دولار، لكنها لم تعلن عن طبيعة الأصول الخاصة بذلك الإصدار.

إنها أداة مالية – بلغة السوق - «لها زبونها»، وفى الوقت ذاته تقتصر على منح حق الانتفاع استغلالا واستخداما دون حق التملك أو التصرف، وبما يضمن عدم فناء تلك الأصول، مقابل التعهد بسداد الأرباح خلال فترة محددة، وعدم إمكانية الحجز عليها أو منح مالك الصك ضمانا بحصة فى الأصول (المادتان 4 و13 من القانون).

لكن حالة القلق والتساؤلات التى ملأت الفضاء الإلكترونى ووسائل الإعلام بعد نشر القرار فى الجريدة الرسمية تعكس ثلاث مشكلات رئيسية ينبغى دراستها لتلافيها مستقبلا.

الأولى تتعلق بأبسط ضروريات التواصل السياسى. فهذا القرار هو الأول من نوعه بنقل مساحة «مملوكة ملكية خاصة للدولة» فى منطقة ذات أهمية استراتيجية ومعروفة بمشروعات بترولية وسياحية إلى «المالية» بغرض التصكيك. أى إن الوزارة تستعد لطرح جديد سيتبعه منح حق الانتفاع بالأرض فى صورة مشروع معين.

كان يلزم استباق هذه الخطوة ببيانات توضيحية لتعريف الرأى العام بطبيعة نظام الصكوك الجديد على مصر، وأهدافه، والإطارين التنفيذى والرقابى له، وطبيعة المشروعات ذات الأولوية. وأذكر هنا أن وزير المالية السابق محمد معيط كان قد تحدث عن تفضيل تصكيك مشروعات مرفقية حيوية مثل تحلية مياه البحر وإنتاج الكهرباء. فضلا عن أن منطقة رأس شقير تستعد لإقامة محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته. علما بأن القانون ولائحته التنفيذية تسمح بإصدار صكوك خاصة بالمشروعات الخضراء وأخرى للتنمية المستدامة، ومنها ما يأخذ شكل عقد المرابحة أو التأجير أو الاستصناع أو الوكالة.

المشكلة الثانية فى الشفافية والإفصاح. هذه عملية تصكيك لا بيع ولا تمليك، ولكنها تتعلق بأرض الوطن والضمان عليها واستغلالها وحقوق الأجيال القادمة فيها، ويرسم القانون أدوارا معينة لشركة التصكيك التابعة لوزارة المالية ولجنة الرقابة المختصة بإجازة الأصول ونشرة الإصدار وإقرار ضوابط التصكيك. فالإعلان المستمر عن تلك التطورات من خلال منصة معينة أو بيانات دورية من أسس الحوكمة الرشيدة.

أما المشكلة الثالثة والأخطر فهى غموض قواعد التصرف فى المال العام وانتقال الأراضى من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة للدولة أو الجهات الحكومية والمحلية وذات الطبيعة الخاصة، حتى تصوّر البعض أن الملكية الخاصة للدولة مطلقة من كل قيد وأنها خطوة لإزالة القيود الدستورية عليها والحماية الشعبية لها. فانتشرت مخاوف من سهولة التصرف فى الأصول المختلفة وأهمها الأراضى، خاصة مع استخدام الحكومة تعبيرات مثل «تصفية الأصول».

والقاعدة التى أرساها القضاء أن المال العام لا يفقد صفته العامة بقرار أو تصرف إدارى، إلا إذا كان المال ذاته يقبل التحول بهذه الطريقة القانونية، وبتوافر دواعى وأسباب إنهاء التخصيص للمنفعة العامة، ولأهداف وأغراض يتحقق بها الصالح العام على نحو أفضل. مما يعنى أن ملكية الدولة الخاصة لا تشبه الملكية الخاصة للأفراد، بل إنها أقرب إلى الأمانة والرعاية لا التصرف والاستغلال. (انظر فتوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة 215 - 2010).

وأهم ما يمكن استنباطه من السطور السابقة لصالح الحكومة والمواطن: ضرورة إحاطة عمليات إخراج الأراضى والأصول الأخرى من الدومين العام، بأضواء الشفافية الكاشفة لطبيعة الإجراء وأطرافه ومبررات تفضيله، وهدفه وضمانات مشروعيته، على أمل أن تسود الثقة وتضيق المساحة أمام التشكيك والشائعات.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات