ضمانات نجاح قانون الإجراءات الجنائية - محمد بصل - بوابة الشروق
الجمعة 26 سبتمبر 2025 6:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

ضمانات نجاح قانون الإجراءات الجنائية

نشر فى : الخميس 25 سبتمبر 2025 - 8:55 م | آخر تحديث : الجمعة 26 سبتمبر 2025 - 3:00 ص

يمكن وصف قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب بـ"أهم قرار سياسي في المجال التشريعي بعد 2013". تتخطى الأهمية أنها المرة الثانية في ظل دستور 2014 التي يعيد فيها الرئيس مشروع قانون إلى البرلمان بعد مشروع قانون البحوث الطبية الإلكلينيكية (التجارب السريرية) عام 2018، والثالثة في تاريخ مصر الجمهوري، حيث كانت المرة الأولى في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عندما اعترض على مشروع قانون تحقيق العدالة الضريبية قبل أن يصدر لاحقًا عام 1978.

فالقرار رسالة إيجابية جديدة في توقيت حرج إقليميًا، تؤكد أن المطالبات قد تجد من يدرسها بعناية وأن الحوار مهم كمسار لتضافر الجهود وتراكمها من أجل الصالح العام. كما أن له أهمية قصوى بسبب حساسية "الإجراءات الجنائية" كدستور لحماية حرية المواطن، وما أحاط بالمشروع من خلافات بعضها حول النصوص والصياغات، أما أخطرها فيرتبط بثلاثة أمور:

أولاها طريقة وضع المشروع بمسوداته المتعاقبة. حيث كان يجب توسيع الحوار المجتمعي والفني المتخصص بين جميع أطراف العدالة والاطلاع بدقة على شواغل المحامين والقضاة على الأرض والتركيز على جسر الفجوات بين الحديث النظري والتطبيق، خاصة وأن لدينا العديد من المقترحات المتراكمة سابقًأ كان مصيرها الإهمال التام أو الالتفات المتأخر.

الأمر الثاني أن المشروع لا يعكس أي تغيير في فلسفة القانون القديم، والقائمة على جمع النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام، ولا يمس بجوهر القواعد الإجرائية السارية، ولم نعرف ما إذا كانت الأعمال التحضيرية قد تطرقت إلى نظام قضاة التحقيق والإحالة لإضفاء المزيد من الضمانات.

والأمر الثالث أن تعدد المسودات والتغييرات دون نشر نسخ محدّثة أولًا بأول مثّل عقبة إضافية منعت اطلاع أطراف العدالة على التعديلات المتعاقبة، مما تسبب في أن تصدر بعض الملاحظات في غير محلها، كما فوجئ كثيرون -بعد فوات الأوان ودخول المشروع مرحلة الموافقة النهائية- بصياغات مغايرة لما نُشر في وسائل الإعلام.

ولأنه لا يوجد قيد على مدة إعادة الدراسة ولن يتم التطبيق –منطقيًا- قبل بدء العام القضائي 2026-2027 في أول أكتوبر المقبل، فأعتقد أن الوقت مناسب لإطلاق منصة إلكترونية تتيح المشروع المقترح بصيغته الحالية، والتعديلات الجادة المقدمة مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية التي قُدمت إلى مجلس النواب، وأن تسمح المنصة بتقديم مقترحات جديدة، وأن تمكّن المهتمين بمتابعة تطور الصياغة.

وحتى نتمكن من إنتاج تشريع متكامل يليق بمصر، فليس من مصلحتنا محاولة تضييق التعديل بدعوى أن مجلس النواب مقيّد بالمواد محل اعتراض الرئيس السيسي.

فالدستور لم يضع قيدًا على البرلمان عند إعادة نظر المشروع، وكذلك المادتان 177 و178 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب التي تنص صراحة على أن "يحيل المجلس الاعتراض والبيانات المتعلقة به في ذات الجلسة إلى اللجنة العامة لدراسة المشروع المعترض عليه والمبادئ والنصوص محل الاعتراض وأسبابه الدستورية أو التشريعية بحسب الأحوال" وأنه إذا قبل المجلس اعتراض الرئيس فتشكل "لجنة خاصة لإعادة دراسة المشروع وتعديل نصوصه، طبقًا لما قرره من مبادئ عند مناقشة تقرير اللجنة العامة عن الاعتراض".

هذا يعني أن اللجنة العامة بمجلس النواب تملك توسيع إعادة الدراسة لتشمل موضوعات أخرى، سواء كانت ذات صلة باعتراضات الرئيس أو غير ذلك، وأنها لها وحدها سلطة وضع حدود التعديل ومساراته.

وقانون التجارب السريرية سابقة ليست ببعيدة، فعلى الرغم من أن اللجنة العامة كانت قد قررت إعادة الدراسة في حدود الاعتراضات الرئاسية، فقد وجدت اللجنة الخاصة نفسها مضطرة لتعديل مواد أخرى سواء كانت مرتبطة بالمواد المعترض عليها بصورة لا تقبل الفصل أو التجزئة، أو كانت ذات تأثير محتمل عليها، كما عادت إلى مشروعات ومقترحات سابقة، وذكرت ذلك تفصيلًا بتقريرها المؤرخ في أغسطس 2020.

إن الفرصة سانحة لإنجاح قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بتوسيع النقاش حول فلسفته والأخذ بتوصيات الحوار الوطني والاستعانة بباقي المقترحات بشأن ضوابط التفتيش والقبض والتحقيق والمحاكمات، وبدائل الحبس الاحتياطي وضمانات عدم تحويله إلى عقوبة، ومنع تحويل بطء التحقيقات أو إطالة أمدها إلى عقوبة، والاستفادة من الخبرات الواقعية في عقد الجلسات عن بعد والمحاكمات الغيابية، مع ضرورة التحسّب لآثار التغييرات على منظومة العدالة.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات