بعيدا عن التعليق على جوائز الأوسكار، بأفلامها الفائزة عن استحقاق، جاء الحفل بمثابة عرض ممتع، فنيا وفكريا، يليق بعاصمة العالم السينمائية، ولا يقل جمالا عن الأفلام الرابحة. روح الاحتفال، تتجاوز مجرد الاعتراف بالأفلام القوية، الأكثر تميزا، ليعبر عما هو أعمق وأشمل: الاحتفاء بالفن السينمائى كله، قديمه وجديده، أنواعه وتوجهاته، عناصره جميعا، داخل أمريكا وخارجها، فضلا عن تقدير المبدعين فى محرابه، الحاضرين والغائبين..
الحفل، بانضباط دقيق ومحكم، يتدفق خلال عدة ساعات، من دون خلل أو ارتباك، على نحو يشير بوضوح إلى طول وجدية فترة الإعداد، وهو الأمر الذى تؤكده فقرات آسرة، تدخل فى باب «الإبداع داخل الإبداع»..
فثمة أكثر من فيلم تسجيلى قصير، يعتمد على عيون السينما، فعندما يأتى الحديث عن «أفلام الرعب» تتوالى على الشاشة، فيما يشبه الحوار، أشهر المشاهد فى أفلام مصاص الدماء وغرائب الكائنات، وبالطبع، تطالعنا شذرات من الأعمال التى حصدت جوائز مرموقة، مثل «طفل روزمارى» للبولندى الأصل، رومان بولانسكى، و«إشراق» لستابلى كوبريك، و«نوسفيراتو» للألمانى فيرنر هيرتزوج، إنه تقدير رفيع من الأكاديمية الأمريكية للفنون بهذا النوع من الأفلام، ويتضمن تأكيدا بأن «هوليوود» موطن السينمائيين جميعا..
ولا يفوت منظمو الاحتفال تذكر الفنانين الذين غيبهم الموت، بعد أن «جعلوا حياتنا أفضل وأجمل حتى بعد رحيلهم»، حسب تعبير إحدى النجمات، وعلى الشاشة تطالعنا مشاهد لهم، تنتهى بمايكل جاكسون.
وتتجلى براعة الاختيارات فى حوار اللقطات المأخوذة من أفلام المسابقات، فعلى سبيل المثال، فى مسابقة أفلام التحريك، نرى على الشاشة «الأميرة» الرقيقة، تنظر بحيرة وأمل، بينما يتراقص التمساح فى فيلم آخر، يتحدث مغتبطا بسبب دخوله فى مسابقة يعتبرها اعترافا بالتماسيح المجولين المنسيين، وهاهو العجوز، فى «فوق» يبدو كما لو أنه ينظر لمنافسيه بثقة، ويرتفع بيته نحو السماء، بواسطة مئات البالونات. هنا، نموذج رفيع لفن المونتاج الذى أبدع فيلما وعبر عن حالة، معتمدا على مشاهد من أفلام.
الحضور البشرى، سواء على خشبة المسرح أو فى القاعة، لا يقل نضارة عن الإنجاز الفنى والتكنولوجى، فإبداع اللحظة، من النجوم، لم يتوقف طوال الحفل، فالكلمات القليلة، الموجزة، النابعة من القلب والعقل، ملأت الليلة بالأفكار البناءة والعواطف الجياشة، فكل فائز لا يتحدث عن نفسه بقدر ما يتحدث عن زملائه، على نحو صادق، لا أثر فيه للتملق أو التصنع، وهنا يبرز دور مصورى الحفل، فالكاميرا تنتقل بسلاسة، لترصد رد فعل الكلمات الساحرة، على الوجوه التى تعبر بشفافية عن الإحساس بوقعها.
وها هى إحدى الزوجات، بملامح مترعة بالمحبة، وبعيون مغرورقة بالدموع، تكاد تحتضن زوجها، بنظراتها، حين قال وهو يمسك بتمثال الأوسكار «شكرا لزوجتى التى شجعتنى، وآمنت بى، عندما لم أكن شيئا».. إن هذا الحفل قطعة فنية خالصة.