نشر معهد بروكنجز مقالاً تحليلياً ليوكارى هينو، زميل زائر بقسم أمن الطاقة ومبادرة المناخ بالمعهد، يشير من خلاله إلى توقع سعودى باحتمالية وقوع أزمة نفط أخرى فى منطقة الشرق الأوسط، متناولاً الأسباب والظروف الاقتصادية المؤثرة على أسعار وإنتاجية النفط السعودى، مختتما بأهم الخطوات والأهداف التى يجب أن تضعها المملكة فى الاعتبار تفاديا لحدوث أزمة جديدة. ويستهل هينو، فى هذا الإطار، بتأكيده أن المملكة العربية السعودية هى أكبر مصدِر للنفط فى العالم. ومع ذلك فمن المحتمل تعرض وضعها النفطى للخطر نتيجة لاستهلاك النفط المحلى. حيث إن العديد من الدراسات الحديثة يتوقع أن تكون السعودية مستوردا صافيا للنفط بحلول عام 2030 أو 2028. فيما قامت دول أخرى مصدرة للطاقة كالإمارات والكويت وإيران بتقييد الاستهلاك المحلى لمعالجة التكاليف شديدة الارتفاع، والتشوهات الاقتصادية، والمخاطر المحتملة لمعدلات استخدام الطاقة المحلية المرتفعة. وتمثل جهود السعودية الحالية للحد من الاستخدام الداخلى للطاقة اختبارا لجاراتها، وكذلك البلدان الأخرى المصدرة للغاز.
ويوضح هينو أن السعودية الآن أكبر مستهلك للطاقة فى الشرق الأوسط. وزاد الطلب على الطاقة فى السعودية سنويا فى المتوسط بنسبة 7,5 بالمائة على مدى السنوات الخمس الماضية. وتفسر الزيادة السكانية والنمو الاقتصادى بعضا من هذه الزيادة. وحتى مع ثبات أسعار النفط أو انخفاضها، زاد إجمالى الناتج المحلى بنسبة 3,6 بالمائة فى عام 2014. ومع ذلك لم تستخدم السعودية الطاقة بكفاءة. وكثافة طاقة المملكة (المحددة كاستهلاك كلى للطاقة بوحدة إجمالى الناتج المحلى، حيث السعودية 4,1 بينما وقفت المملكة المتحدة عند 1 فى عام 2013) أربعة أضعاف كثافة البلدان المقتصدة فى الطاقة كبريطانيا وألمانيا، ونصيب الفرد فيها من استهلاك الطاقة مرتفع. وتستهلك السعودية أكبر كمية من النفط فى العالم من أجل الطاقة. فطبقا لما ذكرته شركة كهرباء السعودية، 58 بالمائة من إجمالى واردات البلاد من الكهرباء مصدره النفط، بينما ولَد الغاز 42 بالمائة من إجمالى كهرباء البلاد فى عام 2013. وارتفع استهلاك النفط على نحو أسرع من الإنتاج والصادرات منذ عام 1991.
ويكشف الكاتب عن الآليات المعالجة لهذه المشكلة، حيث أنشأت السعودية المركز السعودى لكفاءة الطاقة فى عام 2010. والمستهلكون الأساسيون السعوديون للطاقة هم المستخدمون الحضريون، وقطاع الخدمات، وقطاع النقل، ولذلك وضع المركز المستوى الأدنى لأداء الطاقة لتنظيم استهلاك التبريد والإضاءة، ووضع معيارا اقتصاديا للطاقة للمركبات، كما سن قانون المبانى المقتصدة للطاقة. وبدأت الحكومة السعودية كذلك الاستخدام التجريبى للقياسات الذكية للتحكم فى ذروة استخدام الطاقة فى القطاعات الصناعية والخدمية وهى تضع الآن مسودة قوانين كفاءة الطاقة مع آليات التنفيذ القوية. ويتوقع هينو أن يزيد الطلب على الكهرباء فى السعودية للزيادة من 50 جيجاوات فى المتوسط فى عام 2013 إلى 120 جيجاوات فى عام 2032. وأنهت الحكومة خطة مشتريات للطاقة القابلة للتجديد تهدف إلى زيادة قدرة هذه الطاقة بمقدار 20 جيجاوات فى عام 2020، و40 ميجاوات فى عام 2025، و54 ميجاوات فى عام 2032. وسوف تقرر الحكومة كذلك ما إذا كانت ستضع تعريفة للتغذية تقتضى من المستهلكين دفع ثمن الطاقة المتجددة عن طريق فواتير الكهرباء فى وقت لاحق من العام الحالى.
***
على الرغم من ذلك، يرى هينو أن هناك عقبات كبيرة فى سبيل الحد من استهلاك الطاقة المحلى. وما زالت مناقشة إصلاح التسعير أمرا محظور الخوض فيه فى المملكة على الرغم من أن الاتجاهات تميل إلى القبول أكثر مما سبق. وتنفق السعودية على دعم الوقود أكثر من أى بلد آخر فى العالم ماعدا إيران. وهذا الدعم يبقى الأسعار منخفضة بالنسبة للكهرباء والبنزين، الأمر الذى سيقضى على حوافز كفاءة الطاقة لجانب الطلب التى تقدمها الحكومة. ويضع التنظيم معايير أعلى لكفاءة الطاقة من أجل المنتجات الجديدة، ومع ذلك لا تنطبق هذه المعايير على المخزون الحالى. ونتيجة لذلك من المرجح ارتفاع تكلفة إبدال المنتجات المقتصدة للطاقة ــ كالسيارات والأجهزة المنزلية ومعدات المصانع. ببدائل مقتصدة للطاقة أغلى ثمنا. وبالمثل، هناك حوافز قليلة للشركات ومالكى المبانى للاستثمار فى المنتجات المقتصدة للطاقة. وعلى الرغم من جهود الحكومة، فالكثير من الشركات بطيئة فى التكيف مع التنظيمات الجديدة، وربما يعجز عن تحقيق أهداف الحكومة وخطتها الزمنية للوصول إلى معايير أعلى لكفاءة الطاقة. وسوف يعوق عدم تنفيذ إصلاح الأسعار المستخدمين المنزليين من تبنى العدادات الذكية، على الرغم من أن هذا القطاع مسئول عن 50 بالمائة من إجمالى استهلاك الكهرباء.
ويعتقد هينو أن فى حالة إقرار السعودية تعريفة تغذية، فلن تستطيع الحكومة تحمل كل تكاليف الطاقة المتجددة للمستهلكينـ مقدار العبء الإضافى لهذه التعريفة لن يكون كافيا لدعم خطط الحكومة الخاصة من أجل 109 مليار دولار فى الاستثمار بحلول عام 2032. بل إن تحقيق أهداف الطاقة المتجددة الرسمية سوف يتطلب استثمارا حكوميا كبيرا. ومع ذلك ففى عام 2014 عانت الرياض من العجز لأول مرة منذ عام 2011، واعتمدت منذ ذلك الحين على سحب مبالغ ضخمة من صندوق الثروة السيادية الخاص بها. ويعتمد اقتصاد السعودية على صادرات النفط فى أكثر من 80 بالمائة من عائدات الحكومة. ومع انخفاض أسعار النفط الآن أكثر من أسعار النفط المتعادلة للعام المالى 2014، يبدو أن مزيدا من الإنفاق الكبير لتلبية أهداف الطاقة المتجددة أم غير مرجح. وفى هذه الظروف المالية الأكثر تقييدا، من المرجح أن يكون للإنفاق على الرعاية الاجتماعية والتعليم والجيش والإلتزامات أولوية على الطاقة المتجددة. وقد دفع الاضطراب الأخير فى منطقة الشرق الأوسط الأوسع إلى سياسة خارجية سعودية أكثر حزما ـ وأكثر تكلفة. ويبلغ إنفاق الدفاع السعودى حاليا 35 بالمائة من إجمالى ميزانيتها وسوف يزيد هذا العام. وبالإضافة إلى ذلك، يظل التعليم أولوية عليا بسبب معدل بطالة الشباب والكبار المرتفع (40 بالمائة)
***
وينصح هينو فى الختام بضرورة النظر إلى تنويع مصادر العائدات على أنه أحد المكوِنات الأساسية للسياسة الدفاعية ضد أسعار النفط غير المستقرة. وسوف يكون للتطوير المحلى الناجح للطاقة المتجددة وخلق فرص العمل الناتج عن ذلك والمرتبط بهذه المبادرات آثار إيجابية بالنسبة للاقتصاد السعودى واستقرار البلاد السياسى. ولابد أن تظل معالجة الطلب المحلى المتزايد على الطاقة على رأس أولويات الملك السعودى الجديد، وللحكومات الأخرى كذلك. ومن الممكن أن تجعل الزيادات المستمرة التى لا يقيدها شىء فى الاستهلاك الداخلى السعودية مستوردا صافيا للنفط فى المستقبل. ومن الواضح أن هذا سيكون له أثر هائل على أسواق الطاقة العالمية والبلدان المستوردة للنفط. ولابد أن تكون المخاوف حادة بشكل خاص فى آسيا، حيث يعتمد عدد من البلدان، من بينها الفلبين وكوريا واليابان وتايوان، بشكل هائل على صادرات الخليج النفطية. ومع توقع هبوط اعتماد الولايات المتحدة بما يزيد على 20 بالمائة فيما بين 2010 و2020، ينبغى على الحكومات فى آسيا التفكير فى استراتيجيات للتحوط لانقطاعات المعروض فى المستقبل النتائج عن استهلاك الطاقة غير المقيد فى الداخل فى المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج الأساسية المصدرة للنفط.