تخيلوا أن هناك شخصا يريد أن يصبح إماما وخطيبا للمسلمين ولا يعرف أين ولد الرسول عليه الصلاة والسلام.
مساء الخميس الماضى التقيت فى استراحة أحد الاستديوهات الفضائية بشيخ أزهرى جليل، تعارفنا بسرعة وداعبته قائلا: أنت إخوانى أم سلفى؟ وكالعادة نفى انتماءه لهذا أو ذاك، وقال أنا أزهرى أولا وأخيرا، لكنه فاجأنى بقوله إن هناك كارثة كبرى لن نعرف بتأثيراتها إلا فى المستقبل القريب.
قال الشيخ إن وزارة الأوقاف أعلنت عن مسابقة لتعيين ما يقارب ثلاثة آلاف إمام لمساجد الوزارة، فتقدم للاختبار أكثر من 57 ألف شخص حاصلين على مؤهلات جامعية وبالطبع معظمهم من كليات أزهرية، وإن هذه الاختبارات تتم فى مسجد الفتح برمسيس بعد صلاة الظهر ما عدا العطلات الرسمية.
يقول هذا الشيخ ــ الذى طلب منى عدم ذكر اسمه ــ إنه سأل أحد المتقدمين: أين ولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) فرد: فى البصرة بالعراق!!!.
هذا الشيخ ابن بلد وليس متزمتا، قرر أن يجارى هذا الشخص الذى يريد أن يكون إماما للمسلمين، فسأله وأين مات الرسول ودفن؟! فرد الأخير بكل ثقة: فى البصرة أيضا!، فقال له الشيخ مداعبا: «يابخت الشيعة بيك»!.
متقدم آخر قال إن الرسول مدفون فى مكة وآخر قال فى البقيع.
متسابق ثالث أجاب عن سؤال: هل ولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد الهجرة أم قبلها!.
فكر طويلا قبل الإجابة وكأن السؤال يحتاج لتفكير، ثم رد بعد تلعثم بقوله: بعد الهجرة. وعندما سأله الشيخ: بعد الهجرة بكام سنة؟! فرد بكل ثقة: بعدها بسبع سنوات!!!.
متسابق رابع طلب منه الشيخ «تسميع» صورة «البينة» فبدأ يقول: «هل أتاك حديث الغاشية»، وآخر طلب منه تسميع صورة «الماعون» فرد: «قل يا أيها الكافرون»!.
عند هذه اللحظة فقد الشيخ أعصابه وسأل المتسابق: لماذا يا بنى تريد أن تكون خطيبا أو إماما، فرد بقوله لأننى لا أجد عملا فقد قررت التقدم للمسابقة: «هى مجرد وظيفة».
عدد كبير من المتقدمين لم يقف على منبر، ولم يلق عظة أو خطبة أو حتى درسا على أى مجموعة من المسلمين فى أى مسجد، أو حتى فى جنازة أو فرح.
عند هذه النقطة انتهى كلام الشيخ، وودعته وعلامات الأسى بادية على وجهه، ثم بدأت أفكر فى كلامه بأن مستوى غالبية المتقدمين ضعيف وغير مؤهلين ولم يقرأوا كتبا قيمة تساعدهم فى عملهم المستقبلى.
فى ظل هذا الضعف العام، قد نتفاجأ بأن بعضا من هؤلاء قد مرق بأى وسيلة وحصل على «الوظيفة»، وبعدها بأيام نجده يقف فوق منبر، ليشكل وجدان المسلمين.
تخيلوا هذا الشخص الذى لا يفرق بين سورة «الماعون» وسورة «الكافرون» ولا يعرف أين ولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأين مات ولم يقرأ كتابا فى حياته، ولا يحفظ القرآن كاملا، تخيلوا ماذا سيفعل فى عقولنا؟!!!.
هناك مصريون كثيرون ليسوا متعلمين أو متبحرين فى الدين، ويتعاملون مع أى كلام يقوله أى شيخ باعتباره «كلام ربنا»، وبالتالى فمثل هذا الشيخ الذى لم يقرأ كتابا، قد يحول هؤلاء البسطاء إلى قنابل بشرية تكفر المجتمع.
هؤلاء المتقدمون للمسابقة هم ضحايا تعليم حسنى مبارك، ويحتاجون تأهيلا وتدريبا شاملا شأنهم شأن غالبية فئات المجتمع، ولذلك فالمشكلة لن يتم حلها بين يوم وليلة.
النتيجة الرئيسية التى خرجت بها بعد سماعى لهذه القصة، أننا سنقضى وقتا طويلا قبل أن نجد دعاة وأئمة مستنيرين يفهمون أن الإسلام دين السماحة، وأن الرسول لم يولد فى البصرة، وأنه لم يمت بعد الهجرة بسبع سنوات!!.