نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى، تناول فيه أسباب ودوافع احتجاجات المزارعين ضد سياسات الاتحاد الأوروبى، وموقف الأخير لامتصاص غضب المزارعين، وكيف يستغل اليمين المتطرف هذه الأجواء لدعم أجندته فى الانتخابات التشريعية المقبلة... نعرض من المقال ما يلى:
تصاعدت احتجاجات المزارعين الأوروبيين الصغار على سياسات الاتحاد الأوروبى، التى أدت إلى زيادة الأعباء الضريبية والقيود الروتينية التى تعرقل طرق عملهم، نظرا إلى محاولة الاتحاد مواءمة أعمال المزارعين مع القوانين البيئية لمكافحة تغير المناخ.
أدت هذه الاحتجاجات إلى إغلاق الطرق السريعة حول العواصم وبعض المدن الكبرى، وحصار بعض المؤسسات الأوروبية. فقد أوقف المزارعون مئات الجرارات فى الطرق مما أدى إلى شل حركة المرور. واستعمل نحو 500 محتج 50 جرارا تقريبا لمحاصرة مبنى البرلمان الأوروبى فى ستراسبورج.
يشكل المزارعون نحو 2.9 فى المائة من مجمل الطبقة العاملة الأوروبية، وتهدف الاحتجاجات إلى تصعيد الضغوط قبيل الانتخابات التشريعية للبرلمان الأوروبى، المقرر عقدها فى شهر يونيو المقبل. والمطلب الرئيس هو إلحاق الهزيمة بالأحزاب الكبرى المهيمنة على الوظائف العليا فى مؤسسات الاتحاد الأوروبى، ومن ثم إمكانية تغيير بعض السياسات الزراعية.
يحتج أصحاب المزارع الصغيرة التى تديرها العائلة الواحدة على «المنافسة غير المتوازية» مع المحصولات الزراعية المستوردة من دول أمريكا اللاتينية بالذات التى لا تفرض الضرائب العالية على منتجاتها المصدرة، أو تلتزم بالقيود البيئية الجديدة التى فرضتها مؤسسات الاتحاد الأوروبى على شعوب أقطارها الأعضاء.
ورغم أن كبار المسئولين فى مؤسسات الاتحاد الأوروبى أعلنوا استعدادهم للجلوس والتفاوض مع الاتحادات الزراعية وحركات الخضر والمؤسسات المالية قبيل الانتخابات فى بداية فصل الصيف المقبل، فإن المزارعين الصغار رفضوا هذا الاقتراح، ويطالبون باتخاذ الإجراءات اللازمة منذ الآن، وليس قبيل الانتخابات التشريعية الأوروبية.
هذا، ونتيجة لتصاعد احتجاجات المزارعين، تجاوبت الهيئات واللجان الأوروبية المسئولة مع عدد محدود من طلبات المزارعين. فقد أعلنت، على سبيل المثال، رئيسة الاتحاد الأوروبى أورسولا فون دير لاين، رفض قرار برلمانى باستخدام نوع معين من الأسمدة. كما أن الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبى تخلت عن سياسة محددة حول الانبعاثات الزراعية والحيوانية. وأضيفت تعديلات على بعض مشاريع القوانين حول السياسات المناخية لدول الاتحاد الأوروبى، فقررت تخفيض نسبة الانبعاثات. وبادرت لجنة من كبار المسئولين فى الاتحاد إلى تعديل بعض النصوص فى القوانين الزراعية المقترحة، بحيث جرى خفض نسبة الانبعاثات المسموح بها بحلول عام 2040 نحو 30 فى المائة.
تشير تصريحات المسئولين عن الاحتجاجات إلى أن هذه الخطوات غير كافية. وفى نفس الوقت، يحاول المسئولون الأوروبيون إعلان التصريحات، الواحد تلو الآخر حول الخطوات التى جرى تبنيها، ترضية للمزارعين. وتبين فى نهاية المطاف أن معدل الانبعاثات الذى سمح بخفضه بحلول عام 2040 يعادل نحو 90 فى المائة من معدل الانبعاثات الفعلية لعام 1990.
وقد استغلت أحزاب وحركات اليمين المتطرف احتجاجات المزارعين الصغار لدعم نفوذها فى الانتخابات التشريعية الأوروبية المقبلة. إذ تحاول هذه القوى المتطرفة ضعضعة نفوذ اليمين المعتدل والليبراليين فى البرلمان الأوروبى، من خلال: احتجاجات المزارعين، وفرض قيود متصاعدة على إمكانية الهجرة إلى أوروبا، وتقليص الأعباء التى تتحملها الأقطار الأوروبية لمساندة أوكرانيا (المساعدات العسكرية، واستضافة اللاجئات واللاجئين الأوكرانيين)، لما تفرضه هذه الالتزامات من زيادة الضرائب.