ليس من قبيل الأسرار أن غالبية الأحزاب السياسية ــ وبعضها مصنف باعتباره كبيرا ــ لم ترسل أسماء كل مرشحيها المشاركين فى الحوار الوطنى حتى هذه اللحظة، رغم أن مجلس أمناء الحوار الوطنى والأمانة الفنية أرسلوا مخاطبات رسمية لكل الأحزاب المصرية للمشاركة فى الحوار وإرسال مقترحاتها وأفكارها وأسماء مرشحيها الذين سيمثلونها فى الحوار الفعلى. بل إن المنسق العام للحوار د. ضياء رشوان ناشد علنا أكثر من مرة هذه الأحزاب لإرسال أسماء مرشحيها، وللأسف فإن الغالبية لم تلتزم بهذا النداء، الأمر الذى يدعو إلى الدهشة والاستغراب ويجعلنا نتهم البعض إما بعدم المسئولية، وإما بأنهم لا يملكون العدد الكافى من الخبراء المتخصصين فى الموضوعات المطروحة للنقاش.
كيف يمكن تفسير ذلك ونحن نقترب من موعد انطلاق الحوار فى ٣ مايو المقبل؟
فى البداية ظننت أن هذه الأحزاب الكبيرة متلكئة فى إرسال أسماء مرشحيها لأنها ليست متحمسة بقوة للمشاركة فى الحوار أو أنها تعتقد أن نجاح الحوار سيؤثر على دورها الراهن، ويسحب من بعض رصيدها ودورها الذى يراه كثيرون وهميا.
لكن هناك سببا أساسيا آخر هو أن غالبية الأحزاب والقوى السياسية المصرية تعانى من افتقاد الكوادر الفنية فى فروع محددة من المعرفة المتخصصة.
قولا واحدا، لا أقصد أن هذه المشكلة تخص أحزاب المعارضة أو تلك المؤيدة للحكومة، ولكن أعتقد أنها تطال الجميع تقريبا إلا ما ندر.
الملاحظة السريعة أن هناك خبراء بالفعل داخل الأحزاب، لكنهم من النوع الذى يتحدث فى كل شىء بصورة عامة قشرية، فى حين أننا نتحدث هنا عن تخصصات دقيقة محددة.
وحتى تكون الصورة واضحة أمام القراء، فإن هناك ٣ محاور أساسية فى نقاشات الحوار الوطنى هى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهناك ١٩ لجنة، يندرج تحتها ١١٣ قضية.
وبالتالى فالسؤال المنطقى: هل لدى كل حزب رسمى فى مصر أو حتى الأحزاب الكبيرة فقط خبير متخصص فى كل هذه الموضوعات الـ١١٣؟
ظنى أنه يفترض أن يكون لدى كل حزب خبير واحد على الأقل متخصص فى كل موضوع.
على سبيل المثال فإنه فى المحور السياسى يفترض أن يكون لكل حزب خبير متخصص فى قضية مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى والنظام الانتخابى، سواء لمجلس النواب أو الشيوخ، وخبير متخصص فى الإشراف القضائى على الانتخابات، وثالث للجنة المحليات وقانونها واختصاصاتها، ورابع متخصص فى الأحزاب السياسية وقواعد تعزيز ودعم نشاطها وإزالة المعوقات أمامها، وخامس فى اختصاصات لجنة الأحزاب والحوكمة المالية والإدارية داخل الأحزاب. وأن يكون لديها خبير فى قانون الجمعيات الأهلية وتنظيم العمل الأهلى ولائحته التنفيذية، وآخر متخصص فى الشئون النقابية، وثالث فى التعاونيات ورابع فى حقوق الإنسان بكل قضاياها خصوصا التعذيب وأوضاع السجون، وخبير فى قضية الحبس الاحتياطى، وآخر فى حرية التعبير وحرية تداول المعلومات، وخبير فى أوضاع الصحافة والإعلام خصوصا مع وسائل التواصل الاجتماعى والإعلام الرقمى، وآخر فى قضية البحث العلمى وحريته.
وبنفس المنطق فى المحور الاقتصادى فلدينا قضايا محددة تحتاج إلى خبراء متخصصين مثل التضخم وغلاء الأسعار، والوضع الحالى للسياسة المالية وآليات إصلاحها ومعدلات النمو وتوزيع الدخل والإصلاح الضريبى وإصلاح الإنفاق العام وتعزيز مفهوم شمولية الموازنة، والدين العام والأسباب المؤدية إليه وآليات معالجته، وأولويات الاستثمارات العامة وهيكلها وقواعد المنافسة فى الاستثمارات وملكية وإدارة أصول الدولة والاستحواذات ومدى خضوعها للحكومة وقضية الخصخصة والطروحات الحكومية فى البورصة وصندوق مصر السيادى والاستثمارات الخاصة والأجنبية ومحفزاتها وكيفية النهوض بالزراعة والصناعة والتعاونيات والحماية الاجتماعية بكل فروعها وسياسات العمل والأجور والإسكان الاجتماعى والعشوائيات، ولماذا تتراجع السياحة، وقضايا التعليم والبحث العلمى والصحة والقضية السكانية والعنف الأسرى والمؤسسات الثقافية والشباب والرياضة.
ما سبق هو الموضوعات التى سيناقشها الحوار الوطنى والسؤال مرة أخرى هل لدى أحزابنا خبراء متخصصون بالفعل فى هذه القضايا؟!
ظنى الشخصى أن الإجابة هى: لا، إلا ما ندر فالموجود لدينا خبراء يتحدثون فى كل الموضوعات بصورة عمومية غير متخصصة وبالتالى يكون التشخيص فضفاضا مرسلا غيرمتخصص، وبالتالى لا يطرح الحلول الصحيحة.
هل نلوم الأحزاب أم نلوم الحكومة على هذه المشكلة الخطيرة؟!
ظنى أن الجهتين تتحملان المسئولية بالتساوى، فعندما يتجمد النشاط الحزبى وينقطع التواصل مع الجماهير، ويصبح الانضمام للأحزاب من أجل الحصول على المنافع وليس اقتناعا بالبرامج وقتها يختفى ويهرب المتخصصون؟!
لكن هل هناك متخصصون غيرمنضمين للأحزاب؟!
الإجابة هى نعم وبالتالى وجب الحديث عن كيفية جذب كل الكفاءات إلى الأحزاب والمؤسسات السياسية المختلفة.