إن العودة إلى الخطوط العريضة المتفق عليها من جانب الدول الكبرى بشأن الموضوع النووى الإيرانى هى بمثابة الحل الأقل سوءا. كما يمنح الإطار التنظيمى للاتفاق إسرائيل عاملا مهما، وهو الوقت، إذ يتعين على إسرائيل أن تستغله لتجنيد شرعية دولية واسعة النطاق إذا خرقت إيران الاتفاق. فى المقابل، إذا التزمت إيران بالاتفاق على إسرائيل أن تستعد سياسيا وعسكريا لمواجهة بنود «غروب الشمس» الموجودة فى الاتفاق النووى الأصلى الذى انسحبت منه الولايات المتحدة. وتنص هذه البنود على أنه بعد 15 عاما على توقيع الاتفاق، أى فى سنة 2030، تستطيع إيران العودة إلى تخصيب اليورانيوم بالكميات والدرجة التى تريدها، مع الالتزام بالقيود التى وضعتها معاهدة منع انتشار السلاح النووى (NPT) الموقعة من طهران، والتى تمنع تطوير سلاح نووى وتسمح بالرقابة عليه. وعلى الرغم من ذلك، وبما أنه لا يمكن الاعتماد على الإرادة الحسنة لإيران أو على كبحها لذاتها، فإن المطلوب جهوزية سياسية مدعومة بخيار عسكرى هجومى ومستقل، ومن الأفضل أن يكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة أيضا، مع احتمال التدهور إلى حرب إقليمية.
لكن ماذا سيجرى إذا لم تعد إيران إلى الاتفاق النووى؟ ظهرت أخيرا عدة تقارير يجب أن نوليها اهتمامنا، مثل دعوة صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد الأعلى فى إيران إلى الانسحاب من معاهدة منع انتشار السلاح النووى NPT، وهذا ليس تهديدا جديدا، إذ تقوم إيران باستخدام ورقة الانسحاب من المعاهدة فى كل مرة تريد فيها تهديد الغرب. لكن هذه المرة يبدو أن المقصود تحضير النظام الإيرانى نفسه لمواجهة بيان الإدانة الذى اتخذه مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة النووية الذى يجتمع هذه الأيام، والذى من المتوقع أن يعالج «ملفات مفتوحة» تتعلق بإيران؛ ثلاث منشآت لم تُصرح عنها إيران للوكالة، اكتُشفت فى الأرشيف النووى.. وهذا يعنى أن إيران خرقت التزاماتها ضمن إطار تلك المعاهدة التى تفرض التصريح والسماح بمراقبة مثل هذه المنشآت.
إن واقع عدم الاتفاق مع إيران يتطور ويرافقه تهديد متزايد. فمن ناحية ستظل إيران خاضعة لعقوبات قاسية، ومن ناحية أُخرى ستمضى قدما وستزيد من قدراتها النووية. طبعا، تثقل العقوبات كاهل إيران، لكن ثمة شك فى أنها ستؤدى إلى سقوط النظام، وعلى إسرائيل أن تستعد لمواجهة سيناريوهات سيئة محتملة على النحو التالى:
1ــ سيناريو متطرف: انسحاب إيران من معاهدة وقف انتشار السلاح النووى.
2ــ احتمال موقت: إعادة عقوبات مجلس الأمن على إيران.
3ــ نقل «الملف الإيرانى» من وكالة الطاقة الدولية إلى مجلس الأمن بعد إعلانها خرق الالتزام بنصوص تلك المعاهدة.
4ــ زيادة العمليات العسكرية ضد إيران على أن تبقى دون مستوى الحرب:
هذا هو السيناريو الذى نقوم بمعالجته؛ عدم العودة إلى الأطر المتفق عليها، سواء من خلال المماطلة فى المحادثات أو نسفها أو وقفها ــ وستواصل إيران من جهتها التقدم المنهجى نحو تحولها إلى دولة على عتبة النووى. وفى مثل هذه الحالة قد نتوقع زيادة كبيرة فى العمليات العسكرية، السرية والعلنية. والنية هى معركة متعددة الأبعاد ومتشابكة، سيبرانية وعسكرية واغتيالات، هدفها تعطيل البرنامج النووى بكل مكوناته.
ولا يشكل هذا حلا محكما لكن لديه القدرة على الصد والتعطيل والإزعاج. كما لا تستطيع معركة من هذا النوع وحدها منع إيران من الوصول إلى مكانة دولة على عتبة النووى، لكنها ستعرقل وتيرة تقدم برنامجها.
5ــ خيار متطرف: هجوم عسكرى واسع النطاق.
أبدأ بشىء من تهدئة المخاوف، إذ لا نزال بعيدين من اللحظة التى سيكون على إسرائيل اتخاذ مثل هذا القرار، فإيران ليست دولة نووية، وفى نظرى ليست أيضا دولة على عتبة النووى. وتقديرى ينطلق من افتراض أن دولة تخصب على درجة 90٪ بكميات تكفى قنبلة واحدة هى دولة على عتبة النووى، وأعتقد أن إيران لم تصل إلى هذا الحد.
إلى جانب ذلك، ثمة من يرى أن الخط الأحمر بعيد جدا (لا أشاركهم الرأي)، حتى لو وصلت إيران إلى مستوى التخصيب الذى ذكرته فإنها لم تتجاوز الخط الأحمر طالما أنها لم تنجح فى تحقيق اختراق من ناحية السلاح، والمقصود هو ربط منشأة نووية بسائر المكونات. برأيى ممنوع أن نصل إلى هناك، ويجب مضاعفة العمل قبل حدوث ذلك.
وحتى لو كان المقصود سيناريو ضئيل الحدوث، فسوف أقدم بعض التفاصيل عن هذا الهجوم، وليس المقصود هجوما محدودا مثل عملية قصف المفاعل النووى العراقى، وبعده بسنوات عديدة قصف المفاعل السورى، بل المقصود منشآت منتشرة على طول هذه الدولة الكبيرة وعرضها، وبعضها محصن جدا.
إذ يمكن لهجوم كهذا أن ينزلق إلى معركة واسعة مع حزب الله الذى يمكن أن يشعل الجبهة الشمالية. وبما أنه فى جميع الأحوال ليس المقصود هجوما إسرائيليا مستقلا، فإن إيران سترى نفسها تُهاجم من الولايات المتحدة ومن الغرب كله، ومن المستحسن أن نخوض هذه العملية مع شرعية دولية واسعة ومع دعم دولى، ولا سيما عندما يكون المقصود عملية يمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية طويلة الأمد.
إن فعالية هجوم إسرائيلى لمواجهة البرنامج النووى ستكون كبيرة جدا، لكن تطور هذا الهجوم إلى معركة على ثلاث جبهات يتطلب جهوزية كبيرة ودعم دولة عظمى. وعلى الرغم من الإمكان الضئيل لحدوث مثل هذا التدهور، فإنه يجب خوض هذه المعركة عندما تكون إسرائيل مستعدة لها داخليا وخارجيا.