نعيش فى زمن يضج بالمشاركة، حتى أصبحت لدى بعضهم جزءا من حياتهم، مشاركة اليوميات، التحديثات، انتقالات العمل، المناسبات، السفر.. إلخ.
وتبدو الخصوصية وكأنها تتآكل تدريجيا أمام الوضع الجديد للعالم الرقمى، وأصبح فضولنا الاجتماعى، وكذلك المساحات التقنية المصممة لتجمع معلوماتنا، عوامل تزيد من هذا الاندفاع. كل صورة ننشرها، وكل مكان نسجّل الدخول إليه، يترك أثرا قابلا للقياس والتحليل، ومع الوقت تتراكم هذه الآثار، لتكون ملفا افتراضيا عن عاداتنا وعلاقاتنا والأماكن التى نذهب إليها واهتماماتنا، ما يجعل من الخصوصية أحيانا بمكانة السلعة التى يتاجر بها، ومع أن كثيرا يعبرون عن قلقهم حيال هذا الواقع، فإن سلوكهم اليومى لا يزال يسهم فى تعميق المشكلة عبر ما يسمى مفارقة الخصوصية: نطالب بالسرية، ونمنحها بسهولة لقاء خدمات تبدو مجانية.
وكما يبدو، فإن المشكلة ليست تقنية وحسب، بل ثقافية واجتماعية أيضا، فالمؤسسات الرقمية تصمم منتجاتها على مبدأ الاستفادة من البيانات، والإعلان يستغلها لزيادة الربح، وبدورنا نرضى حاجة فورية للتواصل والاعتراف الاجتماعى، فنسلم بمقايضة غير متكافئة. هذا لا يعنى أن الخصوصية ميتة، بل يشير إلى ضرورة إعادة التفكير فى شروطها.
نحن بحاجة إلى زيادة التوعية الفردية حول إدارة الإعدادات والحد من المشاركة العفوية، ومعرفة السياسات التى تفرضها الشركات على المستخدمين فى المواقع التى نستخدمها، وأن نفهم القوانين التى تحفظ الحق فى التحكم بخصوصيتنا.
الحفاظ على الخصوصية يبدأ بممارسات بسيطة، مثل مراجعة الأذونات على التطبيقات فى إعدادات هواتفنا، والحد من مشاركة تفاصيل حساسة فى الأماكن العامة الرقمية. هذه ليست دعوة لأن يعتزل الشخص، وأن يعيش فى مخاوف ويكون مهووسا بالخصوصية، فنحن فى نهاية المطاف كائنات اجتماعية، لكن أن تكون اجتماعيا لا يتعارض مع حفاظك على خصوصيتك.
الأمر يتكون من خطوات صغيرة تتمثل بالمعرفة العامة والقراءة عن سياسات الخصوصية والحفاظ على الحدود. وقرار إعادة تعريف القيمة بين ما نشاركه وما نحتفظ به لأنفسنا، مهم جدا، لذا؛ علينا ألا نستخدم سوى النموذج الرقمى الذى يحترم الخصوصية، وإلا وجدنا الحدود بين العام والخاص تلاشت، وعندها نكون فى بيئة رقمية تسودها الفوضى وانعدام الخصوصية.

شيماء المرزوقى
جريدة الخليج الإماراتية