قطار الليل - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:39 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قطار الليل

نشر فى : الجمعة 14 يونيو 2024 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 14 يونيو 2024 - 7:05 م

إنه تقابل غريب فى أعمال المخرج عز الدين ذو الفقار الذى أسماه النقاد برائد الرومانسية، وقد اتسمت أفلامه بمقابلة ملحوظة، فهو أيضًا مخرج لمجموعة من الأفلام التى يمكن تسميتها أفلام عتاة الإجرام، ونحن نؤكد هنا على مصطلح «عتاة»، فهو يعنى أن المجرم بالغ الصرامة والقسوة والحدة، هؤلاء العتاة لا يعملون فى تهريب المخدرات، أو فى السرقات، ولكنهم متخصصون فى الاتجار بالصفقات المالية، بما يعنى أنهم يعرفون قيمة النقود، يفرضونها إتاوة، ويسعون إلى تكوين الثروات من لا شىء، وحيث يبدو هؤلاء العتاة فى أفلام منها: «الرجل الثانى»، «رقصة الوداع»، «قطار الليل»، ففى هذه الأعمال الثلاثة تشارك سامية جمال بدور الراقصة التى يحوم حولها الرجال، ويسعون لامتلاك عواطفها و جسدها، وأيضًا تجميع قدر لا بأس به من الثروة من خلال جمالها الفاتن، وفى هذه الأفلام فإن العواطف الإنسانية التى تتواجد فى بقية أعمال المخرج فإنها تتلاشى، وتبدو المصالح العاطفية فى الصدارة، وفى فيلم «قطار الليل» 1953 فإن كل شىء يبدو كئيبًا، دخان القطار، والنواح العالى، والمعارك الشرسة التى تدور داخل عرباته وربما فوق سطحه من أعلى، كلها جميعًا دامية تنتهى بالقتل والدم، بالإضافة إلى قسوة زعماء العصابات الذين يتنافسون على أمرين لهما ثمنهما: المرأة والمال، فالفتاة الراقصة هنا كانت متزوجة من المهرب أبو العز، الذى يظهر فى حياتها مرة أخرى ويهددها باختطاف أبيها مقابل فدية من المال ثم يرسلها إلى خصمه مقابل أن تأتى له بمبلغ اتفقا عليه، هذا المالطى يقع هو الآخر فى عشق الراقصة ويحاول من خلالها الحصول على كل ما يبتغيه، الرغبة والبنكنوت، وتتم المطاردات من يخت فوق سطح البحر تحاصره الشرطة إلى قطار الليل الذى سينطلق من محطة مصر بالإسكندرية إلى القاهرة، هذا القطار يتواجد به عتاة الإجرام، المتصارعون فيما بينهم وأيضًا بعض رجال الشرطة الذين تخفوا فى أزياء الشحاذين والبسطاء، وفى داخل القطار تلتقى الراقصة مجددا بحبيبها الذى يكن لها عاطفة ويريد أن ينقذها من براثن هؤلاء المجرمين، لكنه فنان مسالم تضطره الظروف إلى أن يدخل فى مشاجرة مع واحد من العتاة كى يثبت لحبيبته أنه قادر على الدفاع عنها.

هذا الوجه الإبداعى لعز الدين ذو الفقار أثبت أنه قادر على صناعة كل توليفات السينما التجارية، فمن قصص الحب البائس، اليائس، نرى المخرج فى أحسن حالاته فى أفلام منها «إنى راحلة»، و«بين الأطلال»، و«نهر الحب»، وغيرها تلك القصص المأخوذة عن نصوص أدبية مصرية وعالمية تمجد العشق وتتفانى الشخوص هنا كى تعيش أو تموت فى سبيل الحب، الموت أيضًا موجود بالغ القسوة فى الأفلام التى تحكى عن العتاة ومنها أيضًا «امرأة فى الطريق» الذى انتهى بالموت لكل من الزوجة الخائنة والأخ الساذج، بما يعنى أن هناك ثالوثا مهما يجمع أفلام المخرج مهما كانت نوعيتها، هذا الثالوث يمثل الحب والموت والتضحية، بما يعنى أن قطار الليل يتمتع بمزيج فنى مصنوع بحبكة متقنة شارك فى كتابتها المخرج، ونحن هنا أمام عمل مصنوع للسينما ويعتمد على قوة أداء كل الذين شاركوا فى هذا الفيلم ابتداء من استيقان روستى وسراج منير وسليمان نجيب ثم سامية جمال وعماد حمدى، وحتى الأدوار الصغيرة، إنه فيلم يمثل النموذج المنشود لسينما الحركة التى تعتمد على حياة عتاة الإجرام.

التعليقات