كتب ديديه بيون المدير المساعد بمعهد الدراسات الدولية والاستراتيجية بباريس ورقة تحليلية لما يدور فى مصر الآن من أحداث نشر تحت عنوان «الانقلاب العسكرى فى مصر: حلقة جديدة من العملية الثورية» على الموقع الإلكترونى للمعهد. يشرح الكاتب فى تلك الورقة ما سماه بالانقلاب العسكرى وما هى الظروف التى أدت إليه وكيف ستكون عواقبه على المجتمع المصرى وكيف يمكن البناء على نتائجه.
مثله مثل معظم المحللين الغربيين يصر بيون على أن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى ولكنه لا يقف عند ذلك فهو أحب أن يشير قبل أن يبدأ فى تحليل اسباب هذا الوضع، إلى أن فكرة عزل رئيس منتخب بطريقة شرعية وتعدد الاعتقالات التى تستهدف الإخوان المسلمين الذين كانوا فى الحكم قبل تدخل العسكر وغلق وسائل الإعلام الخاصة بالإخوان، كل ذلك لا يمكن تسميته بغير الانقلاب العسكرى.
استنكر الكاتب رفض العديد من المسئولين السياسيين رفيعى المستوى على مستوى العالم ــ خصوصا فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ــ استخدام لفظ الانقلاب العسكرى لتوصيف ما حدث فى مصر. فهو يرى أن هذا الرفض ستكون نتيجته عدم تطبيق القواعد الديمقراطية فى مصر بعد الآن إذا كان الأمر يتعلق بالإسلام السياسى.
●●●
من الضرورى قبل البدء فى توقع السيناريوهات المستقبلية لمصر أن نحدد السبب وراء الوصول إلى هذه الحالة، فما حدث فى 30 يونيو وفقا للباحث لا يمكن تفسيره على أنه فقط نتيجة تدريجية للحالة الاقتصادية والسياسية.
على المستوى الاقتصادى، النتائج كانت كارثية، فنجد أن البطالة زادت بنسبة 13% والتضخم بنسبة 12% ومعدل النمو لم يتعد 1.5% وعجز الموازنة قرب من 12% من الناتج القومى الإجمالى، كما أن الاحتياط من النقد الأجنبى انهار من 36 إلى 13 مليار دولار فى عامين فقط. وقد يقول أحدهم أن الإخوان وصلوا إلى الحكم وكان الوضع الاقتصادى متدهور للغاية، فيكون الرد أنهم لم يستطيعوا اثبات كفاءتهم. على كل حال فإن سياستهم الاقتصادية لم تلى بقبول فى الشارع المصرى وخاصة لدى الطبقات الأكثر فقرا الذين عانوا يوميا من انقطاعات الكهرباء، ونقص الوقود وانهيار النظام الصحى والتعليمى. اضف إلى ذلك أن الإخوان اثبتوا عدم كفاءة فى اتصالاتهم بصندوق النقد الدولى، فالإخوان عانوا من معضلة تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولى والتى تستدعى سياسات تقشفية ستؤثر بالضرورة على الطبقات المتوسطة مما سيؤدى لا محالة إلى تصاعد الإحتجاجات ضدهم.
على المستوى السياسى، ميل الإخوان إلى وضع رجالهم وأتباعهم فى كل المناصب المسئولة فى أجهزة الدولة (أخونة الدولة)، وعدم استيعابهم لفكرة أن مجرد فوزهم فى الانتخابات لا يعطيهم الحق فى إغفال حقوق الأقلية واستبعاد الكفاءات منهم، كل ذلك سبب نوع من الخوف فى قلوب المصريين من أن يعيد الإخوان إنتاج الديكتاتورية ولكن بنكهة مختلفة. نضيف إلى ذلك أخطاء سياسية أخرى ساهمت فى تأجيج الوضع المأزوم مثل تعيين أحد المسئولين الجهاديين القدامى فى الجماعة الإسلامية محافظا للأقصر مع العلم أن تلك الجماعة هى المنفذة لعملية إرهابية فى الأقصر راح ضحيتها 58 سائحا سنة 1997.
●●●
ونتيجة لما سبق نزل الملايين فى تظاهرة استثنائية يوم 30 يونيو. وفى هذا السياق نجد أن المؤسسة العسكرية المصرية كانت تستوعب الوضع جيدا، وقررت استخدام هذه الأحداث للضغط على الحكومة وعلى الدكتور مرسى من أجل الوصول إلى تسوية ووقف الزحف الديكتاتورى للإخوان. ويرى الكاتب أن الذى حدث هو أن الإخوان رفضوا التسوية مع المؤسسة العسكرية هذه المرة ــ على الرغم من أنهم وافقوا على العديد من التسويات معهم من قبل ــ وكان ذلك لظنهم أن الشرعية الانتخابية تكفيهم.
بالنسبة لسلوك المؤسسة العسكرية فيمكن تفسيره عن طريق وضعها الخاص فى المجتمع المصرى. حيث يرى بيون أن تلك المؤسسة بسبب انغماسها فى اقتصاد البلاد وحرصها المستمر على تنمية أرباحها أكثر من أى شىء جعلها تخشى بشدة أى احتجاج شعبى. وعندما استشعرت المؤسسة خطورة استمرار تلك الحركة الاحتجاجية الضخمة، قام الجيش بتنفيذ انقلاب عسكرى.
●●●
أما ما يثير العجب فهو موقف «الثوريين» الذين استعدوا الجيش منذ سنة وطالبوه بتسليم الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة، ونراهم الآن يباركون عودة الجيش إلى الحياة السياسية. هذا التحول إنما هو نتيجة لتعقد الازمة الثورية وللصعوبة التى واجهها النشطاء فى تكوين بديل سياسى. وبرغم ذلك المؤسسة، العسكرية ستبعد عن السلطة لأنها ستكون مهددة إن لم تفعل، نتيجة للاضطرابات الاجتماعية العميقة التى ستمر بها البلاد.
●●●
وفيما يتعلق بالمستقبل يرى الباحث أن الانتخابات القادمة ستكون ونتائجها مهمة جدا، يجب أن تكون حرة تسمح للجميع ــ بلا استثناء ــ بالمشاركة. الإخوان المسلمون يبقون حتى اليوم القوة السياسية المدنية الأكثر تنظيما، ولا يزال أمامهم الفرصة ليخرجوا بنتيجة جيدة من تلك الانتخابات، وذلك لأنهم مازالوا يحافظون على قاعدة اجتماعية وانتخابية واسعة. العجز إذا سيكون عند القوى السياسية الأخرى من ليبراليين وعلمانيين وناصريين واشتراكيين ديمقراطيين.. سيكون عليهم أن يوحدوا منصاتهم الانتخابية وأن يقدموا مرشحين مشتركين. تلك هى الشروط اللازمة لموازنة قدرة الإخوان المسلمين بطريقة ديمقراطية دون الرجوع إلى المؤسسة العسكرية. أما بالنسبة لفكرة الثقة فى المؤسسة العسكرية وإعطائها مهمة تحقيق عملية التحول الديمقراطى فهى وهم مميت بالنسبة للثوريين.
وفى الختام يجب الإشارة إلى أن العملية الثورية فى مصر لا تزال بعيدة عن الاكتمال ومن المتوقع ألا تكون 30 يونيو هى آخر المطاف.
إعداد: أيمن طارق أبوالعلا