ما بين سيناء والبيت الأبيض - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بين سيناء والبيت الأبيض

نشر فى : الخميس 15 فبراير 2018 - 10:20 م | آخر تحديث : الخميس 15 فبراير 2018 - 10:20 م

مع استمرار أكبر عملية عسكرية تقوم بها الدولة المصرية تحت عنوان «سيناء 2018» لإنهاء الوجود الإرهابى المتمثل فى تنظيم ولاية سيناء فى مدن وقرى محافظة شمال سيناء، تمثل معضلة سيناء قلقا كبير لمخططى السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط ممن يسعون فقط لخدمة مصالح واشنطن الاستراتيجية فى المنطقة.

من هنا جاء مشروع ميزانية عام 2019، والذى قدمه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للكونجرس يوم الإثنين الماضى، متضمنا إشارات واضحة على أهمية شبه جزيرة سيناء للمصالح الأمريكية. تلك المصالح التى تم التعبير عنها تاريخيا فى رعاية واشنطن وضغطها على الرئيس السابق أنور السادات للتوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل والتى بمقتضاها يتواجد مئات الضباط والعساكر الأمريكيين ضمن قوات حفظ السلام الدولية التى تشرف على تطبيق بنود اتفاقية السلام فى شقيها. وخصصت إدارة ترامب 291 مليون دولار لدعم قوات حفظ السلام فى الدول الصديقة ومنها مصر، كما خصصت 31 مليون دولار لزيادة تأمين قوات حفظ السلام الأمريكية العاملة فى سيناء. إضافة لذلك شدد مشروع الميزانية على إبراز أن المساعدات العسكرية المقدمة لمصر والتى تبلغ 1.3 مليار دولار تهدف إلى زيادة قدرات الجانب المصرى فى تأمين سيناء والتعامل مع التهديدات الإرهابية. من هنا ترصد دوائر أمريكية رسمية وغير رسمية بدقة ما يجرى فى سيناء.

***

وبعيدا عن هوية من يقبع بالمكتب البيضاوى بالبيت الأبيض، وبعيدا عن تعقيدات العلاقات الثنائية المصرية الأمريكية، يدرك جنرالات ترامب جيدا أن واشنطن خسرت علاقاتها مع القاهرة عندما خسرت مصر سيناء عام 1967، وعادت العلاقات المصرية ــ الأمريكية بعدما عادت سيناء لمصر بعد التوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل. وتدرك أيضا أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تعد بمثابة الإنجاز الأكبر فى تاريخ الدبلوماسية الأمريكية فى الشرق الأوسط، فقد منعت المعاهدة وما ترتب عليها من استرجاع مصر لسيناء، الانجراف نحو مواجهة عسكرية عربية إسرائيلية واسعة لأكثر من ثلاثين عاما.

إلا أن واشنطن ترى أيضا أن فراغ السلطة فى سيناء، الذى ظهر بصورة أكثر وضوحا مع الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، قد سارع وملأه متطرفون ممن انضموا إلى بعض البدو المحليين الذين يشعر الكثير منهم بالظلم من طريقة معاملة الحكومة المركزية فى القاهرة لأبنائهم. وترى واشنطن أن أهالى سيناء ــ وللمرة الأولى يشهدون تأثر شبابهم بالأيديولوجية الراديكالية العنيفة، إضافة لتعاونهم بشكل وثيق مع تنظيم حماس، وغيره من الجماعات الفلسطينية (التى تصنفها واشنطن بالإرهابية) فى قطاع غزة.

كذلك تنظر واشنطن بجدية لما يتعرض له أفراد القوة متعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين من اعتداء، وهى القوة المسئولة عن مراقبة الالتزام بالترتيبات الأمنية الواردة فى معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية فى سيناء. ويبلغ عدد تلك القوات ما يقرب من 1700 جندى أغلبهم من الولايات المتحدة.

***

قبل عامين قُدم تقرير للكونجرس ذكر فيه أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات لمصر مساهمة منها فى تأمين سيناء، وذكر التقرير أن واشنطن «تدعم مصر فى تأمين سيناء عن طريق إمدادها بمعلومات أمنية مهمة، بما فى ذلك رصد مكالمات هاتفية ورسائل تبث عن طريق الراديو بين المشتبه فى قيامهم بأنشطة إرهابية»، وذكر التقرير أيضا «أن واشنطن تطلع مصر على صور تلتقطها أقمار صناعية وطائرات تجسس أمريكية». ويدلل ما ذكره التقرير على أهمية شبه جزيرة سيناء للاستراتيجية الأمريكية. وينبع ذلك من كون سيناء ساحة قتال كل الحروب المصرية ــ الإسرائيلية منذ 1948 وحتى 1973، كما تعكس عزلة سيناء الجغرافية، إضافة لموقعها الرابط بين دول مهمة مثل مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل والسعودية، بعدا آخر لأهميتها زاد منها وصول تنظيم حماس عام 2006 للحكم، وسيطرته على الحكم فى قطاع غزة حتى الآن. ونظرا للأهمية الكبيرة لسيناء، فقد استثنتها العقوبات التى أنزلتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على النظام المصرى فى النصف الثانى من 2013 على خلفية أحداث فض اعتصام رابعة وتردى الأوضاع الأمنية والسياسية والحقوقية فى مصر. وأكد تشاك هاجل ‏ــ وزير الدفاع الأمريكى آنذاك ــ لنظيره المصرى آنذاك الفريق عبدالفتاح السيسى، أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم المساعدة فى القضايا التى تخدم الأهداف الأمنية الحيوية للجانبين بما فى ذلك مكافحة الإرهاب وانتشار الأسلحة وتأمين الحدود والأمن فى سيناء.

وهكذا استثنت واشنطن المساعدات المتعلقة بتأمين سيناء وحدودها من أى تخفيض أو تجميد طبقته على المساعدات الأخرى.

***

فى الوقت ذاته تمثل سيناء معضلة كبيرة لمخططى السياسة الأمريكيين لمعرفتهم وإدراكهم لأهميتها وخطورتها ولما يمكن أن توفره فى إطار حلول إقليمية لقضايا الصراع العربى الإسرائيلى. وتدرك واشنطن ترامب ــ التى يشغل بها أهم مناصب الإدارة الحالية المتعلقة بالشرق الأوسط رجال عسكريون ــ جيدا أن سلام مصر أو حربها مع إسرائيل يتوقف على تطورات الأوضاع داخل سيناء فصمود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التى تعتبر حجر الأساس للتصور الأمريكى للأمن الإقليمى فى الشرق الأوسط، يعتمد على أمن وتأمين سيناء، وامتداد سيطرة الحكومة المصرية إليها. وهكذا أصبحت سيناء وأمنها ــ بما لها من حدود مع إسرائيل تمتد 250 كيلومترا ــ المعيار الأهم لحرب العرب أو سلمهم مع إسرائيل. وتهمس بعض الأصوات كذلك لتربط التصور الأمريكى بتطورات موضوع تخلى مصر عن السيادة للسعودية فى جزيرتى تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة، وعلاقة ذلك بدور سعودى فى ترتيبات إقليمية أمنية قادمة. واشنطن التى تدرك أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تعد بمثابة الإنجاز الأكبر فى تاريخ الدبلوماسية الأمريكية، تدرك اليوم أن تبعات ذلك تدفع باتجاه تصور سيناء كحجر أساس جديد لتسويات أكبر بالمنطقة.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات