استئناس تاء التأنيث - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 3:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استئناس تاء التأنيث

نشر فى : الإثنين 15 مارس 2021 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 15 مارس 2021 - 7:35 م

دأب المجتمع الدولى على اعتبار تمكين المرأة بقصد تحقيق المساواة بينها وبين الرجل فى الحقوق والواجبات، أحد أبرز مظاهر تطور المجتمعات وديمقراطية الدول. فبينما ارتأى، بردنارد شو، فى المرأة نصف المجتمع، الذى يلد ويربّى نصفه الآخر، قال جبران خليل جبران: «إذا أردت أن تكتشف رقى أمة فانظر إلى أحوال نسائها»، فيما وضع «روبرت دال»، الانتخابات الدورية النزيهة ضمن الشروط السبعة التى ينبغى توفرها بأى نظام حكم ديمقراطى، شريطة أن تكفل، كما المجالس النيابية المنبثقة عنها، تعددية سياسية حقيقية، تعكس بدورها تمثيلا متكافئا لمختلف الأطياف المجتمعية والتيارات السياسية، لاسيما النساء والأقليات، فى الدول ذات التنوع العرقى أو الثقافى.
منذ ولجت البشرية ألفيتها الثالثة، شهدت المساعى الدولية لتمكين المرأة، والتى اكتست سمتا قانونيا وتنظيميا مع تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، واعتمادها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948، ثم تخصيصها أول أعوام المرأة، وإطلاقها أول مؤتمراتها العامة سنة 1975، طفرة، لا تخطئها عين. فبعدما تصدرن قيادة أهم المؤسسات المالية الدولية، فى سابقة لم يعهدها تاريخ التنظيم الدولى، يؤكد الاتحاد البرلمانى الدولى هيمنة النساء على عضوية أكثر من ربع برلمانات العالم عام 2020، بواقع 25.5 %. وبينما تتقدم برلمانات الأمريكتين الترتيب العالمى فى التمثيل النسائى بنسبة 32.4 %، حيث تبلغ نسبة تمثيل المرأة فى الكونجرس الأمريكى بمجلسيه 26.9%، كما تتساوى أعداد الرجال والنساء فى برلمانات كوبا ورواندا والإمارات، تصل النسبة ذاتها ببرلمانات بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 18%.
ففى مصر، أسهم تطبيق نظام انتخابى يخول المرأة مزايا تنافسية تفضيلية، كاستراتيجية التمييز الإيجابى، أو«الكوتا النسائية»، فى تحقيق نقلة نوعية بنسبة التمثيل البرلمانى النسائى، لتقفز من 3% فقط منذ العام 1957 وحتى 2012، إلى 27% فى برلمان 2021، بعدما خصص لها القانون رقم 140 لسنة 2021، 25% من مقاعد البرلمان، بواقع 142 مقعدًا من إجمالى 568، فيما منحها القرار الجمهورى بتعيين نسبة 5% من أعضاء مجلس النواب، 14 مقعدا إضافية، حيث اختار الرئيس السيسى 14 سيدة يمثلن 50% من إجمالى المعينين وعددهم 28 نائبا، ليبلغ عدد المقاعد النسائية بالبرلمان الحالى 162 مقعدا، لتحقق المرأة بذلك أضخم إنجاز تمثيلى نيابى تعرفه الحياة البرلمانية المصرية منذ نيلها حقوقها السياسية عام 1956. هذا، فى الوقت الذى تشكل النساء ربع الحكومة الحالية بواقع ثمانى وزيرات، وامرأة بمنصب المحافظ.
غير أن الوثبة اللافتة فى انتعاش دور المرأة عالميا لم تحل دون حدوث انتكاسات صادمة فيما يتصل بمساعى إدراك المساواة المستعصية بين الجنسين. فعلى صعيد العمل العام، لا يشكل النساء سوى خُمس الوزراء الحكوميين، وثلث أعضاء الحكومات المحلية. وبينما أرجعت الهيئة الأوروبية للإحصاءات «يوروستات» استمرار تقاضى النساء الأوروبيات رواتب أقل من الرجال بنسبة 14.1%، إلى انعدام المساواة بين الجنسين، واضطرار كثيرات منهن للعمل فى وظائف جزئية الدوام، مما يقلص من رواتبهن، سلط الأمين العام للأمم المتحدة، الضوء على ما تكابده المرأة من تمييز مهنى، بجريرة انتماء نساء كثيرات إلى تكوينات إثنية مهمشة تتذيل السلم الاقتصادى، حتى بتن أكثر عرضة بنسبة 24 % لخسارة وظائفهن أو تقليص دخولهن، وفقا لتقارير موقع «أدزونا» الإلكترونى للتوظيف، وأرقام مؤتمر الاتحادات المهنية.
وبعدما حذر البنك الدولى من استمرار محاصرة المرأة بالقوانين واللوائح التى تقيد فرصها الاقتصادية، بالتزامن مع ما أفرزته جائحة كورونا من تحديات تهدد صحتها وأمنها الاقتصادى والمجتمعى، فيما نددت الأمم المتحدة بانخراطها المؤلم فى الصفوف الأمامية للقطاعات الأكثر تضررا من تداعيات تلك الجائحة، أكدت منظمة الصحة العالمية تعرض امرأة من كل 3 نساء للعنف خلال الجائحة، سواءً من قبل الزوج أو سواه، نتيجة لتدابير الإغلاق الشامل، والفقر، وانقطاع خدمات الدعم الحيوية. الأمر الذى دعا البنك الدولى لمناشدة حكومات العالم تهيئة بيئة قانونية تعزز الشمول الاقتصادى، وترفع معدلات الاستثمار فى البنية الأساسية لاقتصاد الرعاية والحماية الاجتماعية، كى تتمكن المرأة من تبنى أفضل الخيارات لنفسها ولأسرتها.
أما بخصوص التمثيل البرلمانى، فيؤكد الاتحاد البرلمانى الدولى، فى تقريره السنوى المعنون «النساء فى البرلمان»، أن التحسن فى تمثيل المرأة برلمانيا كان مطردا خلال السنوات الماضية، لكنه لا يزال بطيئا، حيث لم يتجاوز نسبة 25%، كما يقتصر على مناطق ودول بعينها، إذ ما برحت برلمانات بعض الدول النامية تفتقر إلى التمثيل النسائى. ففى الكويت، التى وضعت انتخاباتها البرلمانية أوزارها العام الماضى، معلنة خلو تشكيلة مجلس الأمة الجديد من أى حضور نسائى، لا يزال اعتماد، نموذج الكوتا النسائية، الذى تطبقه 81 دولة حول العالم ويعتبره الاتحاد البرلمانى الدولى أمرا ضروريا لتمكين المرأة سياسيا، يواجه عقبات شتى. فرغم توقيعها على الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو»، بعدما اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1979، لا يحتوى دستور 1962 على أى نص يمنح المرأة مزايا تنافسية تفضيلية، مخافة تناقضه مع مبدءى تكافؤ الفرص، والمساواة فى الحقوق والواجبات. وبناء عليه، خلصت دراسة أممية إلى أن تطور أوضاع المرأة بالوتيرة الحالية، سيجعل البشرية بحاجة إلى نصف قرن إضافى لتحقيق المساواة بين الجنسين فى التمثيل البرلمانى، وعلى مستوى التشريعات والقوانين، بينما سيتطلب إدراك التكافؤ بين الرجال والنساء فيما يخص ترؤس الحكومات، نيفا وقرنا آخر من الزمن.
وفى حين تؤكد مريم رجوى رئيسة المجلس الوطنى للمقاومة الإيرانية، تعاظم معاناة نساء إيران اللاتى تتجشمن مغامرة قيادة الحراك الشعبى من أجل الحرية والديمقراطية، جراء الانتهاكات المتفاقمة لنظام الملالى، الذى حطم الرقم القياسى العالمى فى إعدام النساء، بموازاة تداعيات جائحة كورونا التى عمقت أزماتهن الاقتصادية والاجتماعية، وعززت فجوة التمييز بينهن وبين الرجال، كشف تقرير حقوقى أعده حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض، بمناسبة اليوم العالمى للمرأة، عن تنامى انتهاكات حقوق النساء فى تركيا إلى الحد الذى سمح بوجود 17 ألف سيدة وراء القضبان، وتعرض 6732 أخريات للقتل، مع استخفاف النظام الحالى بمعانتهن، وعجز المنظومة القانونية والقضائية عن حمايتهن، وتقاعس الحكومة عن تطبيق اتفاقية إسطنبول لعام 2014، المتعلقة بمكافحة العنف ضد المرأة. فرغم مصادقة أنقرة عليها وإدراجها ضمن قانون منع العنف ضد النساء وحماية الأسرة، لا يتورع أنصار أردوغان اليوم عن المطالبة بالانسحاب منها، فى الوقت الذى تتقلص أعداد بيوت الإيواء الحكومية التى تلجأ إليها النساء هربا من عنف الرجال، إلى 3482 بيتا، بما يحول دون تحصيص واحد منها لكل عشرة آلاف سيدة، بينما يتصاعد فارق الدخل بين الرجال والنساء لمصلحة الرجال ليلامس 31%.
تشى خبرة العقود السبعة المنقضية من عمر التنظيم الدولى والنضال النسوى، بأنه لن يتسنى للحراك القانونى والمؤسسى، المتمثل فى التعديلات الدستورية والتشريعات القانونية والاتفاقات الدولية، تبديد ظلمات الغبن والإقصاء والتمييز التى لا تفتأ تكبل المرأة فى غياهب عالم، لا يرعوى جله عن استثقال وجودها فى ميادين العمل العام، خصوصا السياسية منها، ما لم يؤازره نشاط تكاملى على الصعيدين الثقافى والمجتمعى، بغية تأهيل شعوب العالم لتقبل ودعم مساعى تمكين المرأة. ولتنطلق البداية المثلى لذلك الدرب من عمل دءوب لتصحيح الصورة الذهنية النمطية السلبية التى استوطنت الوعى الجمعى لغالبية تلك الشعوب حيالها، والتى أسهمت فى تشكيلها، ردحا من الزمن، خبرات حياتية مؤلمة، وتفاعلات ثقافية معقدة.
فلكم يتوق عالمنا إلى تضافر جميع الجهود المنوطة بتشكيل وعى ووجدان الأمم، سواء اضطلعت بها دول أو مجتمع مدنى أو وسائل إعلام ومؤسسات تعليم وتنشئة، واصطفافها سويا ضمن شراكات خلاقة تقتحم الحصون القيمية، وتغزو الفضاءات الحضارية، والأدغال الاقتصادية والاجتماعية، لتحرر البشرية من أفكارها المشوهة، حتى تغدو أكثر تفهما لأهمية تمكين المرأة توطئة لتحقيق المساواة بين الجنسين، فيما تعتبره هيئة الأمم المتحدة للمرأة، هدفا محوريا للتنمية المستدامة وخطوة وثابة نحو عالم أكثر شمولا.

التعليقات